هذا الحشد الكبير من الناس في بيت الله الحرام،..
حول المليحة المتشحة بجلال سوادها..،
وسكينة مهابتها..
تحضرُ صورة مصغرة ليوم الحشر..
صورة مثيرة للخوف..، وللمهابة، وللبكاء..
الناس تمضي في الأرض تضرب في شعابها من أجل الرزق..،
ثم كثيراً ما تغفل ثلل منهم كثيراً عن السعي لرزق الآخرة..!
كلنا نمضي، ومنا من هو في غفلة الجهل، والدعة، والأمل، والاستزادة..
وكلنا نقول عن الأيام القادمة ستأتي،..
وعن العمر سيطول..،
وعن الخشوع سنسعى..،
وعن التقرب إلى الله سنفعل..
وسوف، تشاركنا الانتظار..
دائماً تطيل المسافة بين المبادرة، والتسويف..!
على أمل..، وفي رجاء، حتى ندرك قيمة العمل..
ديدن الإنسان المماطلة..، إلا من له عزم، ..
فذو العزم جبار على سوف..، رحيم بسعيه..، شفوق من حشره..، حسيف عند تفكُّره في مثل هذا المشهد العظيم..!
ومع ذلك يأتون من «كل فج عميق»..،
تقذف بهم السبل..، وتتدفق بهم القوافل..، وتكتظ بهم المحطات..،
وفي بواطنهم نوايا الاقتراب..، والتوبة..، والاسترحام،.. والاستعانة..،، والاستهداء..، والتوسل..، والسؤال..،
والبكاء بين يده الرحيمة..، وعفوه الكبير..، وقدرته العظيمة..،
فهو «الأول بلا ابتداء»..، و»الآخر بلا انتهاء»..،
ليس من باب أوسع من بابه..، ولا رحمة أشمل من رحمته..، ولا جوابا أشفى من عطائه..
منه المبتدأ، وإليه المنتهى..
هذه الأقدام التي تحمل الأجساد، التي تحتضن القلوب، التي تأوي النوايا، وتصِّرها أفعالا تعبدية، يعاملها ربُّها ما قصدته طامعة فيه، بما هو أهل له من القبول ما صدقت فيها النوايا، ومن العفو ما خلص منها الإيمان، ومن الرضا ما حسنت في العبادة، وامتثال الطاعة..
هذه الأفواج هنا بألسنة مختلفة..، وأشكال ذات ألوان لا تتماثل..، وقدرات تختلف في الوعي..، والتعبير..، والفهم..، والعلم..، واللباس..، والغنى، والفقر..
وهنا كل عمل تعبدي مآله مرهونٌ بنوايا صاحبه..
في المسجد الحرام، الناس تتوافد..، وتتزاحم..،
ولكن لكل منهم شأن يغنيه..، غير أنه ليس هو الشأن ذاته الذي يغنيه يوم الحشر..!
بعد تجمعهم في هذا المكان، وفي أي مسجد على الأرض يسيحون فوقها..، كلٌّ إلى غايته..
أما يوم الحشر..،
فإما إلى جنة عرضها السموات، والأرض،
وإما إلى نار تصلى بسعيرها..
مساجد الله نماذج لإيقاظ الوعي لما سيكون، في يوم شبيهٍ،
لكنه فاصلٌ..