لنركز على ثقافتنا اليوم
نظلم أنفسنا ومنجزنا إذا حصرنا أنفسنا في منجزات الماضي، واقتصر فعلنا في الحاضر على الإشادة بماضي أسلافنا وتمجيده. حيث بهذا التأطير والانحصار نؤكد للعالم حولنا ولأبنائنا أن دورنا في الحاضر يقتصر على الحنين لذلك الماضي وتهميش ما نفعل في الحاضر، وكذلك دورهم وما يستطيعون تقديمه في المستقبل.
أقرأ عما دار في معرض «الابتكار» و أتابع الجدل حول أحقية وعدم أحقية بعض جامعاتنا في التقييم الذي حصلت عليه أو تسعى للحصول عليه في المقارنات الدولية. و أتابع التقييمات السلبية داخليا لمنجزات مؤسسات البحث العلمي لدينا والتأسف على موقع شبابنا و مبدعينا من تحقيق نجاح تؤكده البراءات للملكية الفكرية أو هدم حصولهم على الدعم الكافي لمبادراتهم.
كل هذه نتائج موقف يرى المستقبل عاجزاً عن تحقيق التميز مقارنة بالآخرين في مجتمعات أخرى ويلجأ للتعويض بتمجيد ما أنجز الأسلاف في زمان سابق.
لم تقتصر الحوارات التي واجهتني في الخارج بالكثير من الأسئلة، على تفاصيل الفعاليات التي شاركت فيها، بل تطرق بعضها إلى أسئلة خاصة - بصفتي عضوا مشاركا في صنع القرار عبر وجودي في مجلس الشورى -لتوضيح تفاصيل ما يجري في ساحتنا الداخلية من مستجدات وعن موقع المواطن والمسؤول والجهات الرسمية حول واقع المواطن واحتياجاته. مما ذكرني بالأسئلة التي أتلقاها يومياً من عشرات المتابعين في تويتر حول هذه القضية أو تلك. ومطالب هذه الفئة من المواطنين أو تلك. وربما لا يدرك هذا المطالب أن الأمر لا يتعلق بإرضاء أي فئة معينة بتحقيق مطالبها فوريا بل يرتبط بما هو الأفضل للصالح العام وبإرضاء كل فئات المواطنين على المدى البعيد دون أن يجحف بصالح الوطن ككل من حيث استمرارية التطور وديمومة الرخاء والاستقرار.
من هذا المنطلق أواصل معكم بعض ما جاء في حوار شامل أجري معي على هامش مشاركتي في نشاطات ثقافية في فيينا في الشهر الماضي.
ردا على سؤال عما يراه المتابع لخطوات وزارة التربية والتعليم في السنوات الماضية من خطوات مثل دعم اللامركزية، ثم تعديلات المناهج، ثم خطط تطبيق نظام البكالوريا الدولية في المدارس السعودية في الخارج، ثم تصريحات معالي وزير التعليم في فيينا عن إعادة تقييم صورة الآخر في المناهج، وما إذا كانت كل هذه الإجراءات تنضوي في إطار استراتيجية متكاملة، قلت كخبيرة في التخطيط بأنني على يقين أن «لدى المسؤولين عن التخطيط التربوي و التنموي في المملكة رؤية واضحة بشأن التعليم و احتياجاتنا حاضرا و مستقبلا. لكن اتضاح الرؤية أسهل من تطبيق المرئيات وتنفيذ مشاريع التعديل والتطوير، بسبب وجود الكثير من العقبات، بناء على مدى التقبل والتعاون من جانب المجتمع ومن الكادر التعليمي نفسه، ومدى قدرته على تحقيق هذه الرؤية، والاستعداد لتغيير ما اعتاد عليه من قبل».
وضحت «إن أول خطوة في التغيير أن تدرك أن ما عندك لا يفي بالغرض، وأن هناك خللاً ما، ولذلك تبدأ في محاولة التصحيح لما تعتقد أنه سيؤدي إلى الأفضل، وربما لا نرى في بداية الطريق كل التفرعات أو النتائج المرحلية التي ستأتي أثناء سنوات التغيير، فتبدو بعض الخطوات كما لو كانت متناقضة، ولكن الأمر في الحقيقة عبارة عن محاولات جادة، تعدِّل بعضها بعضا، ويتبلور الناتج النهائي على مراحل متتالية، المهم أن ندرك أننا نتابع صورة حيوية متحركة، وليست صورة ثابتة، وأن القضية ليست أبيض أو أسود، وعندها يمكننا رؤية المدخلات التي تتحرك مع بعضها، أعني المتلقي والمنهاج والمعلم والقيادة، وصانع القرار والأطفال والطلبة في المدارس، كل هذا سيأخذ وقتاً، حتى نرى في النهاية، كيف تتفاعل المدخلات، وتعطيك ناتجاً تستطيع الحكم عليه، وعما إذا كان في حاجة إلى المزيد من البلورة والتغيير».
نواصل الحوار في مقال قادم.