سنة أليمة مرت!
سنة طافحة بالدم، فواحة برائحة البارود، غارقة في وحل النزاعات، سابحة في بحر التناحر والتشريد والمجاعة والألم!
ياه!
كم هي أليمة هذه السنة التي مرت وودعها العالم بانتشاء وفرح البارحة!
كم هي جحيم ملتهبة على بقاع في خريطتنا العربية ونعيم على عالم آخر يحتفل في عواصم العالم بأفراحه ومباذله وتسيده واستبداده!
احتفل العالم القوي منتشيا بقوته مزهوا بانتصاراته محتفيا بما بنى وأنجز وكسب وتوسع وامتد وهيمن؛ رقص المنتصرون في العواصم الكبرى من واشنطن وباريس ولندن وبرلين وفينا ومدريد إلى أقصى الأرض في بكين وطوكيو وسدني على إيقاع الموسيقى الصاخبة والكؤوس المعتقة وغير المعتقة والأجساد الممشوقة والريانة وضربات الأقدام المتشابكة المتداخلة على أنغام الفالس و التانجو والجاز و الروك و الفلامينكو، وعلى إيقاع الموسيقى الرومانسية الهادئة!
رقصوا؛ لكن ليس على إيقاع الموسيقى فحسب؛ بل على جماجم وأشلاء وآهات ومجاعة شعوب ثائرة، ومدن فائرة هادرة متفجرة من حلب إلى حماه إلى دمشق إلى القاهرة إلى صنعاء إلى طرابلس إلى تونس إلى بيروت إلى بغداد!
يرقص العالم الغربي والشرقي ويشرب أنخاب النصر، وترقص شعوب رقصة الموت على أنغام أزيز براميل الطغاة!
يرقص العالم القوي المستقر المنتج المزدهر المتحضر الآمن محتفلا بإنجازاته في رصيده الحضاري إنتاجا وإضافة وبناء وصناعة واكتشافا وقوة ونفوذا وغنى وترفا وبطرا؛ ويرقص بعض عالمنا العربي ذبيحا كسيرا محبطا منتحرا أو منحورا باستبداد وإجرام وطغيان الحاكم العسكري الجلاد!
سنة أليمة مرت!
سنة حافلة بمدن تحترق، أجيال ضائعة تنشأ في بحر الدم، في متاهات الأحزاب والتيارات والجماعات والدعوات والرايات!
سنة أليمة مرت وسنة جديدة حلت والمتاهة تتسع دوائرها ويختلط في لججها الحابل بالنابل والصالح بالطالح والمدعي بالصادق والمجرم بالمناضل!
سنة أليمة مرت؛ ولكنها لن تبرح أبدا ذاكرة المكلومين والمشردين والمضطهدين قي ديار الشام والعراق وفلسطين وغيرها!
وسنة جديدة حلت؛ فهل ستكون كتلك التي رجلت بكل ما زفت إلى منطقتنا من براميل وسكود وكيماوي وذبح للأطفال وتشريد وصقيع ومجاعة ومخيمات؟!
ماذا يمكن أن تخبئ لنا أيها العام الجديد من مفاجآت؟!
هل ستكون كما عرفناك خلال ثلاث سنين مرة مرت؟!
أم ستكون شيئا آخر جميلا لم نعهده فيك؟!
هل ستكون بنا رفيقا رقيقا رشيقا صديقا؟!
هل ستكون آمنا هادئا ساكنا متصالحا، بانيا لا هادما، معطيا لا سالبا، مثمرا ومنتجا لا شحيحا قابضا؟!
هل يمكن أيها العام الجديد أن تنقلب على ما عهدناه من سيرتك خلال ثلاث سنين مرة مرت من خريفك الساخر الحارق القاتل إلى ربيع زاه مثمر آمن محب؟!
متى نرقص نحن ونحتفل كما يحتفلون؛ لا على طريقتهم؛ بل بأعيادنا نحن وبأفراحنا نحن وبانتصاراتنا نحن؛ لا على الأنخاب ولا على الفانس ولا على التانجو؛ بل على أننا أعدنا اكتشاف أنفسنا؛ فوصلنا بعد متاهات الخلافات والنزاعات إلى ما يجمعنا لا إلى ما يفرقنا، وإلى ما يوحدنا لا إلى ما يشتتنا، وإلى ما يقوينا لا إلى ما يضعفنا!
نرقص ونحتفل أقوياء عزيزين مستقلين منتجين شركاء مع العالم القوي لا مستعطين ولا مستذلين ولا مهضومين؛ نحتفل على طريقتنا بفرح حقيقي وبأنغام أذن عربية لها تاريخ مشرق وبهي؛ وبوجدان عربي وإسلامي منتم لا مسلوبا ولا مهزوما ولا تائها بين الطوائف والمذاهب والنحل والملل؛ بل منتميا إلى أمة متصالحة متحابة متحضرة منتجة عرفت طريقها إلى الحياة كما عرفه العالم قبلها من قرون؛ فتقدم وتقهقرنا، وتطاول وتصاغرنا، وبنى وهدمنا، وأنجز وتوقفنا، وتوسع وتضاءلنا؟!
متى نرقص رقصة الانتصار على أنفسنا؟!
متى نعيد اكتشاف ذواتنا من جديد؟!