ربما يكون إنفاق الدولة على التعليم في الميزانية الجديدة هو أهم إنفاق استثماري تضمنته تلك الميزانية. وليس كثيراً أن تمثل بنود قطاع التعليم في ميزانية 2014 حوالي ربع بنود الميزانية بقيمة بلغت مائتين وعشرة مليارات ريال، وبزيادة قدرها حوالي 3 بالمائة عما تم تخصيصه لقطاع التعليم في ميزانية 2013.
وباستعراض مكونات البنود نجد أنها توزعت على التعليم العالي والتعليم العام والتدريب المهني والتقني والبعثات الطلابية والمشاريع المختلفة المرتبطة بقطاع التعليم والتدريب بوجه عام.
من المتفق عليه أن الاستثمار في رأس المال البشري الذي يمثل التعليم أحد مكوناته الرئيسية هو الاستثمار الأهم وهو الذي يحقق أكبر العوائد ويؤثر تاثيراً مباشراً وغير مباشر على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولكن من المتفق عليه، أيضا، في أدبيات التنمية أن العوائد المتوقعة من الإنفاق على التعليم لا ترتبط فقط بمدى ما يصرف من أموال وإنما بنوعية التعليم الذي يتم تقديمه للطلاب.
بعض أنواع التعليم لا تحقق العوائد المتوقعة ولا التنمية المنشودة، بل إن بعض أنواع التعليم ذات تأثير سلبي على التنمية لأنها تكرس الجهل والقيم المناهضة للتنمية. ومن التجارب العالمية، فإن الأشخاص الذين يتلقون تعليماً سيئاً متخلفاً هم أخطر على التنمية من الأشخاص الذين لا يتلقون أي قدر من التعليم! فقد يكون بعض الأشخاص ممن لم يتلقوا حظاً من التعليم هم بفطرتهم أقرب إلى الصلاح وأقدر على تحقيق إسهام إيجابي نحو مجتمعهم ممن نالوا تعليماً سيئاً وانخرطوا في أعمال وتوجهات تعرقل التنمية.
ثم إن هناك مسألة مهمة أخرى وهي كيف يتم إنفاق بنود ومخصصات التعليم. فعندما تكون هناك مُبالغة في تحديد تكاليف مشاريع تعليمية يمكن إنجازها بتكلفة تقل عما هو مرصود لها بسبب الفساد أو الإهمال والغفلة فهذا بكل تأكيد يجعل العائد من الاستثمار في التعليم أقل مما كان بالإمكان الحصول عليه.
لقد ظهرت دراسات في دول عديدة أوضحت بجلاء أن الإنفاق المرتفع على التعليم لم يرتبط في كل الأوقات بمعدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي تحديداً، وكانت توصياتها تتمثل في ضرورة الاهتمام بتوزيع بنود ميزانيات التعليم وفق أولويات منطقية تركز على «تطوير» العملية التعليمية وتحذر من الانغماس في الإنفاق على أمور شكلية مظهرية. والمأمول هو أن نستفيد دائماً من التجارب العالمية الناجحة ونتجنب تلك التي ثبت فشلها.