استقر في وعي الاقتصاديين أن السياحة سلة التنمية الشاملة، وأنها حصاد غراسها التي تجمع في سلتها صناعات أخطبوطية متشابكة، تبدأ من ابتسامة موظف الجوازات وسائق التاكسي، ولا تنتهي عند أبراج الفنادق وجزر المنتجعات وإرث التاريخ وكنوز المتاحف، لكن قلة من الاقتصاديين يدركون أيضاً أن الرياضة هي من يحرث وعي الإنسان ويهيئه ليكون روحاً وعقلاً وجسداً منتجاً في بناء التنمية، فهي البذرة الأولى للفرد والشجرة الوارفة في المجتمع لتهذيب النفس وبناء الثقة، مروراً بقيم القيادة والجهد المشترك والتسامح، والأهم هو الوعي الفردي والمجتمعي بالإحساس الإيجابي بالانتصار والهزيمة.... الحقيقة أن تشريح التنمية في بلادنا يكشف أن هذين القطاعين الأكثر غياباً في مسارها والعربتان المعطلتان عن المسير حتى الآن!
الرياضة كنشاط إنساني حق مكفول في أساسيات حقوق الإنسان، وتحظى اليوم باهتمام واعتراف دولي أكبر كأحد الأدوات المنخفضة التكلفة والبالغة الأثر والتأثير في الحضور الإنساني ودعم التنمية، كما أنها أحد أهم الأذرع التي تسهم في بناء جهود السلام ومجتمع المعرفة، أحد عناصر القوة في منظومة الرياضة أنها الجامع والحاضن لكل الجهود التي يمكن أن تبذلها الحكومة والاتحادات الرياضية ومؤسسات المجتمع المدني والمحاضن التربوية، بل والمؤسسات العسكرية والإعلامية، للاستثمار في بناء الإنسان المنتج وغير المرهق لمسار عربة التنمية، جسداً وفكراً وروحاً. فالرياضة ليست فقط قطاعاً اقتصادياً كما تراه بعض الأقلام الآن، بل هي قطاع اقتصادي وأداة تنمية اقتصادية فاعلة، فالمورد البشري الرياضي الصحيح جسدياً وذهنياً أكثر إنتاجية في الاقتصاد، كما المجتمع الإنتاجي أكثر التزاماً بقيم العمل والمشاركة، إضافة الى أن كفاءة الخدمات الصحية في المجتمع الرياضي تصل الى ذروتها من خلال خفض التكلفة وتجنب الضغط عليها...
قبل أيام طرح الأمير نواف بن فيصل أثناء استقباله رئيس وأعضاء اللجنة الإشرافية على المشروع الوطني لتطوير الألعاب المائية رؤية جديدة، أعتقد أنه إذا توفرت لها الإمكانات والإرادة والكفاءات البشرية النوعية ستحدث تحولاً في مسار الوعي الرياضي المحلي، بل وستسهم في حل المشكلة الهيكلية التي تعانيها الرياضة في بلادنا، وهي أزمة الرياضة الواحدة (كرة القدم)، والتي ليست ببعيدة عن أزمة اقتصادنا ومعضلته اقتصاد السلعة الواحدة (النفط). ما طرحه الأمير يحمل بوادر تغير فكري عميق في الوعي الإداري الرياضي وينقل الرياضة من مجرد قطاع ضيق معزول عن التفاعل مع المجتمع الى أداة حقيقية في بناء التنمية، بل وترميم تشوهاتها المتراكمة، ليس هذا من قبيل المبالغة، فالمتأمل في المشروع الوطني لتطوير الألعاب المائية يلحظ أن التجربة نواة لفكر قادم يستشرف المستقبل ببعد تكاملي لابد أن يتصل به وعي إداري حكومي في الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى...
أتساءل: ألم يحن الوقت لينظر صانع القرار الإداري والمالي في المملكة الى الرياضة كأحد أهم مكونات محفظة التنمية المستقبلية؟! ألم يحن الوقت للنظر الى الرياضة كأحد أهم المدخلات في تنمية الموارد البشرية بدنياً وذهنياً وصحياً؟! آمل إطلاق برنامج خادم الحرمين الشريفين للرياضة للجميع بأفق لا يقل اتساعاً ووعياً عن برنامجه -حفظه الله- للابتعاث، والذي يمثل اليوم عصب الاستثمار في الموارد البشرية في المستقبل... أتساءل أيضاً: ألم يحن الوقت لإنشاء وزارة الشباب والتنمية الاجتماعية؟! وبالمناسبة، فالتنمية الاجتماعية التي أقصدها مختلفة عن الشؤون الاجتماعية وإن تداخلت معها في بعض المهام... وهذا يذكرنا بتعارض الصلاحيات التي حرمتنا من قطاف أي مشروع تنموي تشترك فيه أكثر من وزارة أو جهة حكومية.. لكن تلك قصة أخرى!!