بترتيبات ضد العقل، والمنطق، فإن كثيراً من الأحاديث السلبية، التي طغت على بعض مجالس النخب الفكرية، والثقافية، ولا أستثني منها حتى الشرعية، هي ظاهرة التفكه ببث الهزيمة في نفوس الناس، والتداعي أمام التحديات، - لاسيما - ونحن نعيش -اليوم - أزمات مصيرية، فقاموا بعزوا كل فشل لاحق إلى مصيبة وقعت؛ ولتسلمها بعد ذلك إلى أختها، أو أكبر منها. وهذا الشعور السلبي، هو أغلى الأهداف الإستراتيجية التي يخطط لها الأعداء.
عندما تتجلى الهزيمة النفسية بوضوح في هيئة قناعات راسخة لدى البعض، وبحتمية السيطرة الوشيكة لمن يدافعنا، فإن ذلك يعتبر من التشاؤم غير المفيد، والنقد الحاصل سيكون غير مجدٍّ، -وبالتالي- فإن قصر النظر في تفسير الأحداث، وبحدود إطارها الزمني الضيق، وتكييفها بأنها بلغت المنتهى في الهلاك، ستشكل الهزيمة النفسية المرتقبة، وستنهار الإرادات أمام المواقف، والمحن، والتحديات التي نواجهها، بحسب الفواصل التي تمدها -تارة-، أو تضعفها -تارة أخرى-.
لا يمكنني أن أغفل الحديث، عن الشعور بهزيمة المبدأ أمام الواقع، -ومثله- هزيمة الذات أمام المبدأ، وما يحدثه هذان الأمران من الشعور بالإحباط، بسبب سياسات التهويل التي نمارسها من حيث لا نشعر؛ لتضيع بعد ذلك معالم الحق.. مع أن رباطة الجأش في أحرج اللحظات الفاصلة، ينبغي ألا ترهبنا أمام صولة الباطل، كما أن تحرير الإرادة من الشعور بالإحباط، سيبقى عاملاً جوهرياً في استنهاض الطاقات؛ من أجل الحفاظ على المكتسبات.
إن الوقوف عند اللحظة الآنية، هو خطأ في تفسير الأحداث، وحركة التاريخ، -ولذا- فإن ما يجب فعله اليوم، والتأكيد عليه، هو ألا تقهرنا الوقائع المؤلمة، ولا تثنينا الخطوب المدلهمة؛ حتى تكون سواعدنا، ونفوسنا، وعقولنا، أقوى من طمع الأعداء، وكيد المغرضين، ونظرات الحاقدين؛ ولأن الحياة صراع إرادات، فإن إرادتنا هي التي تصنع المواقف، وتشكّل الأحداث، وتنتصر على موجات الهمجية المتوحشة، بعد أن نحسن توظيف صناعة الأحداث؛ لتكون في صالحنا، وصالح أمتنا التي نتحمل مسؤولية قيادتها.
ثم إن تحصين الأمة ضد الإحباط، والهزائم النفسية، ودرء الإشاعات المضادة، والعمل على تقوية العزائم، وشحذ الهمم، ستصنع منا قوة إرادية من الداخل، وسنكون قادرين -بإذن الله- على امتصاص الأمراض النفسية، وباعثاً للحمية في نفوس أبنائنا؛ للتخلص من سيطرتها. ولن يكون هذا ضرباً من الخيال، عندما نستخرج من سياق الأحداث الدروس، ونستنبط العبر، باعتبار أن دائرة الإحباط ستمضي إلى تبدل، وأن الحوادث الطارئة يمكن تجاوزها.