مقطع لا يكاد يتجاوز الدقيقة الواحدة، أثار غضب واستياء آلاف السعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهو بالفعل يثير التقزز، لشاب عشريني يتحرَّش بطفلة، لا تتجاوز السابعة من عمرها، تلبس مريول المدرسة، وتحمل حقيبة كُتبها خلف ظهرها. والمشهد كان أمام مصعد في إحدى العمارات السكنية، بينما كانت الطفلة تنتظر أمام المصعد، وثبت التحرش بها قبيل دخولها إلى المصعد، ودخول الشاب معها.
ما يطمئنُ المرء هو أن شرطة المنطقة الشرقية توصلت إلى الجاني، وقبضت عليه في وقت قياسي، وهو كما أشار بيان الشرطة من أرباب السوابق، وموقوف حالياً رهن التحقيق، ولكن يبقى أمر العنف ضد الأطفال لدينا أمراً يثير القلق والأسئلة، ففي كثير من دول العالم هناك قوانين وأنظمة تحمي الأطفال من الإيذاء والعنف والتحرش، وتفرض عقوبات صارمة ضد هؤلاء، وتتكفل الحكومات بالحفاظ على هؤلاء؛ لأن هؤلاء ببساطة هم رجال ونساء المجتمع، فإن صلحوا، وصلحت تربيتهم، وتمت المحافظة عليهم مما يتعرضون له، ويؤثر في تكوينهم النفسي مستقبلاً، صلح المجتمع بأكمله، وإن حدث العكس، وتعرَّض هؤلاء إلى درجات مختلفة من الإيذاء، انعكس ذلك على المجتمع.
في الوقت الذي انتشر فيه هذا المقطع المقزز، تناقلت المواقع مقطعاً لأب يضع طفلته، التي لا تتجاوز خمس سنوات، داخل دلو مربوط بحبل، ويُنزلها في عمق بئر مظلم؛ كي تُحضر له أوراقاً سقطت في البئر كما يشرح عنوان المقطع. وأكاد أجزم بأن هذا الأب وطفلته لو كانا يعيشان في إحدى دول أوروبا أو أمريكا لعوقب الأب أشد العقاب، ولسُحبت منه ثقة الأبوَّة فوراً، ووُضعت الطفلة في دور الرعاية الاجتماعية؛ لأنه قد يتسبب لها بالموت - لا سمح الله - فضلاً عن أن إخافتها في مثل هذا الموقف قد يؤثر في تكوينها النفسي مستقبلاً.
وهناك الكثير من المقاطع الفيلمية التي يتسلى فيها الكبار بأطفالهم، إما بتخويفهم والضحك عليهم، أو بضربهم وتعذيبهم، أو ما شابه ذلك.. بل هناك بالتأكيد الكثير من الإيذاء ضد الأطفال الذي لا تصوِّره كاميرات أجهزة الجوال أصلاً، وهناك مما تصوره لكنها لا تبثه على الإنترنت.. إلى آخره.
ولا شك أن صدور نظام الحماية من الإيذاء في المملكة خلال العام المنصرم 1434 كان مرحلة مهمة للغاية؛ لأن الخطر والإيذاء ليسا بالضرورة يأتيان من الخارج دائماً، بل قد يكونان من داخل البيت، ومن الأقارب.. ولكن لا يكفي أن يصدر النظام، ولا يكفي سَنّ العقوبات، بل لا بد من جهاز أمني يبادر إلى معاقبة من يقوم بإيذاء طفله، حتى لو كان من قبيل المزاح الثقيل، الذي يترك أثراً نفسياً عميقاً لدى الطفل، فلا يكفي أن تنتظر أقسام الشرط من يتقدم بالشكوى لصالح طفل يتعرض إلى الإيذاء، أو اتصال الطفل نفسه، بل يجب التدخل حينما يكون الأمر ملزماً لإنقاذ طفل ضعيف، لا حول له ولا قوة، من أي قوة أو إيذاء حوله، سواء كان الإيذاء جسدياً، أو لفظياً، أو جنسياً.
ويُعتبر إهمال الطفل من قِبل الوالدين، وعدم المحافظة عليه وحمايته من اعتداءات الخارج وأخطاره، أحد الأوجه التي تعاقب عليها أنظمة حماية الطفل، وخصوصاً حين يكون في مرحلة الطفولة المبكرة والمتوسطة، التي لا يدرك معها ما ينفعه ولا يضره، ولا يعرف التعامل مع الغرباء.