زعم أحدهم أثناء فترة الرئيس مرسي أنه رأى مرسي في منامه، والرسول وجميع الأنبياء، ولما حضرت الصلاة طلب النبي من مرسي أن يؤم الأنبياء والرسول في الصلاة، وهذه المزاعم ليست جديدة، فقد شكلت العقل السياسي العربي منذ الأزل، فقد ادعى قبلهم الرئيس صدام حسين أنه من نسل الحسين، كذلك أوصل معمر القذافي نسبه إلى بيت النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يستمد سلطته المطلقة منه وكذلك زعم آخرون أنهم من أحفاد الحسين بن علي.
كان الخلاف السياسي حول الزعامة بعد وفاة الرسول يعتمد على شرعية النسب، وكانت بداياته في الاختلاف الذي حصل حول المجموعة الأحق بالخلافة، فهل كانت الشرعية في تولي الحكم تعود إلى الانتساب إلى قريش، أم إلى نسل الإمام علي من بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقد كان لتلك الخلافات أبعاد وصلت إلى حد الافتتان السياسي، الذي عصف بالأمة لفترة زمنية غير قصيرة، ولا زال يؤثر على تطورها السياسي في العصر الحديث.
جاء اغتيال الحسين بن علي لاحقاً كالحدث الأهم في مهمة إطلاق مرحلة الجنون السياسي ودخول عصور تحكمها خرافة الدماء المقدسة، وتسيطر عليها الأرواح التي تنتقل من جسد إلى آخر، فقد تم تصوير الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه علي أنه المهدي المنتظر، والذي سيكون له كلمة في آخر الزمان، يفصل فيها بين الحق والباطل، ويثأر للمساكين من الطغاة الظالمين، وربما لهذا السبب أصبح كل يدعي وصله من أجل نفي صفة الظلم والطغيان، والحصول على بطاقة المرشح الأوحد لمنصب الزعامة، وهل يجرؤ أحد على مزاحمة حفيد الحسين في منصب الرئاسة!
كان من بين هؤلاء أبوطاهر القرمطي زعيم دولة القرامطة الأبرز، لكن انتسابه المزعوم للحسين بن علي لم يمنعه من سرقة الحجر الأسود، ونقله لمقر إقامته على الساحل الشرقي لقرابة ثلاثين عاماً، توقف خلالها الحج لبيت الله، ومنهم أيضاً علي بن محمد الذي ادعى انتسابه إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي، وقام بثورة الزنج لأسباب سياسية واقتصادية، لكنه من أجل أن يُطاع ادعى وصل الحسين بن علي..
كذلك طرح زعيم الثورة الإيرانية آية الله الخميني على الشعب الإيراني على أنه من نسل الحسين بن علي، وأنه هاشمي عربي من نسل الرسول، كذلك يفاخر أصحاب العمائم السود من الطائفة الإثني عشرية في قم الإيرانية بأنهم من نسل البيت الهاشمي، وأن الله بعثهم لحماية الدين، لكن الحراك الإيراني في الخليج والعراق لا يعبر عن ذلك، ويخدم مصالح الدولة الفارسية العميقة في إيران، إلى درجة رفض تسمية الخليج بالعربي.
شكلت الخرافة الدينية إن صح التعبير بعض فصول السياسة عند المسلمين، مثلما كانت في قرون الظلام المسيحية، فادعاء وصل الدم الأزرق المقدس في العائلات الأوروبية المالكة كان بمثابة الصك الإلهي لحكم الإنسان بالمطلق، وبأحقية امتلاك أراضيهم ومستقبلهم وماضيهم، وقد احتاج الأوربيون قروناً من أجل فهم أبعاد تلك المعادلة، وبعد الثورات المدنية وانطلاق ثورة الوعي الإنساني التي تستند إلى العلم والإدارة الحديثة تخلص الأوربيون من الخزعبلات، وأصبحوا يعيشون في عالم تحكمه العقلانية والمدنية السياسية.
أستطيع الجزم أن أغلب هؤلاء الزعماء، إن لم يكن جميعهم، ليس لهم اتصال بالنسل الحسيني أو النبوي ، لكنها شخصيات ذكية، تجيد استغلال أمية العامة وضحالة ثقافتهم السياسية، والذين يضعون ثقتهم التامة في بعض رجال الدين على طريقة إن قالها فقد صدق، فكانت النتيجة استخفاف بالعقول، واستمرار لعصور التخلف والجهالة، ويدل استمرار استعمال مثل هذه المزاعم على أن الشعوب الإسلامية لا زالت تحبو في طريق الوعي السياسي الطويل.
في نهاية الأمر كان عبيد الله المهدي مؤسس الدولة الفاطمية في مصر أحد الذين ادعوا الانتساب للحسين بن علي، لكنه رجل أظهر عقلانيته عندما لم يستطع إقناع النسابة في مصر باتصاله بالحسين، وذلك حين سَل نصف سيفه في لحظة صدق مع نفسه، وقال: (هذا نسبي)، ثم نثر عليهم ذهباً وقال، (هذا حسبي ودليلي)، ولن أستبعد أن يتكرر مثل ذلك المشهد مع أنه سيصعب على المصريين تصديق ذلك، وهم الذين لم يصدقوا ادعاء عبيدالله المهدي انتسابه إلى الحسين بن علي قبل ألف عام.