هددت هيئة السياحة والآثار قبل أيام بأنها سترفع يدها عن كل ما له علاقة بالأسعار المتعلقة بالنُّزُل، ودور الإيواء، من فنادق، وشقق مفروشة، وغرف المسافرين، والاستراحات، لتجعل أمر السعر في يد مالك العقار.. هو وضميره ووعيه.. إلا أنها تُوصِيه فقط بأن يراقب حركة السوق ويقدر السعر؟!
فالهيئة ورغم جهودها الحثيثة في النهوض بالسياحة والعمل على تطويرها إلا أنها في هذا القرار - للأسف - تعود إلى نقطة البداية أو «الصفر»، حيث لا يختلف اثنان أبداً على أن ما يعيق تطور السياحة الداخلية وانطلاقها، هو ارتفاع الأسعار في هذه الأماكن بشكل غير مناسب، وستجد أنه مبالغ فيه، فضلاً عن الارتفاع غير المبرر في الخدمات المصاحبة له من مأكل ومشرب وخدمات وترفيه.
فرغم ما يساق من مبررات في موضوع «رفع اليد عن الأسعار» في مجال السياحة الداخلية في هذا الوقت تحديداً إلا أنه لا يعد خطوة مناسبة، أو حلاً ناجزاً، إنما هي محاولات ستنعكس على فكرة تثبيت الأسعار والمساعدة على خلق فضاء مناسب يوائم بين العرض والطلب في مجال تسويق السياحة والسفر والتراث وتقديمه للناس بأسلوب متميز.
فلا يخفى على أحد أنّ المواطنين في المملكة لا يزالون يسافرون بشكل كثيف بين المدن والمناطق والأرياف للتواصل مع أهلهم وذويهم ومعارفهم، ومن ثم الترويح عن النفس والزيارات للأماكن الأثرية إن تيسر لهم ذلك.
ومع أن الكثير من الدول والبلاد العربية من حولنا باتت تعاني من تبعات وتحوّلات سياسية يصعب زيارتها أو العمل على إدراجها في خانة الجهات المتميزة للسفر، إلا أن هذه الخطوة لم تستغل في الداخل، ولم يفعل دور السياحة أو حتى تتقدم خطوة واحدة، إنما يظل الجمود هو سيد الموقف، وكأننا ننتظر أن تأتينا السياحة والبرامج على أرجلها، ومن ينظر ويحلل ويخطط لا يزال يقارن في أشياء خيالية من قبيل المقارنة بين السياحة لدينا والسياحة في سويسرا!!
قرار مجلس الوزراء الذي صدر منتصف العام الماضي (جمادى الأولى 1434هـ) الذي ينظم ويضبط حركة المرافق المتعلقة بالسياحة.. من طرق ومحطات ومرافق ونُزل يعد منعطفاًَ مهماً في تكوينها ومنطلقاتها.. وما لم يُفَعَّل هذا القرار تدريجياً في خدمة السياحة المحلية فلن تحقق هذه الجهود أهدافها.
«بيئة سياحية متواضعة».. هذه عبارة كررت أكثر من مرة، وتغني عن الكثير من القصص والطرف والتقارير التي ترى أن السياحة لدينا تسير في خط تصاعدي، وهي ـ في الحقيقة ـ لا تزال تعاني من انعدام أساسيات أو احتياجات مهمة لمن يريد السفر على نحو التحرك والتنقل بين المدن والسكن في الفنادق، والمبيت والاستراحات، والزيارات للأهل، وأداء العمرة، والرحلات البرية والمهرجانات الصيفية، والأنشطة الاجتماعية والوطنية .. فيجب أن تحول جميع هذه المناسبات إلى أفكار سياحة، يعمل على تفعيلها بجد وبواقعية، لأنّ المجتمع لا يزال حتى الآن يتصور أن السياحة أمر فيه شك وشبهة، وتداخل في مفاهيم الترفيه.
ولكي تنجح هذه الجهود فنحن بحاجة إلى خطط مرحلية سريعة ترتيب العمل السياحي وما يتعلق به، والتحرك أولاً في وضع بيئة مناسبة على نحو صيانة الطرق السريعة وتأهيل الطرق الزراعية بين المدن، وتفعيل دور خدمات الوقود والاستراحات، وتحرير الأماكن الأثرية والتراثية من قبضة الأسوار و(الشبوك) التي تحاصرها، أما بإدعاء الشك في التعاطي معها والوجل منها، أو الخوف عليها من التلف أو التخريب.. فأمر التخريب وارد للأسف، إذ إن هناك من يناصب كل ما هو قديم أو تراثي العداء، ليطمسه، أو يعبث فيه بغية تحقيق أهداف ضيقة وأفكار آنية سطحية.