في حين تسعى معظم الشركات الناشئة، التي تستحدث صفحات لها على مواقع «كيكستارتر»، أو «إنديغوغو»، أو غيرها من مواقع التمويل الجماعي الأخرى، لبلوغ هدف محدد، ومن ثم تباشر العمل لتحويل مشروعها إلى واقع، ثمّة فئة جديدة من الشركات التي تستخدم التمويل الجماعي، وتعتمده كنموذج أعمال جديد كلياً، فتبيع منتجاتها حتّى قبل أن تنشئها.
وليس هذا النموذج جديداً كلياً – إذ إنّ شركات البرمجيات لطالما لجأت إلى حملات ترويجيّة لمنتجات «معلّقة في الهواء»، في سبيل الحصول على أموال نقديّة، فعمدت بالتالي إلى بيع برمجيّات قبل إنشائها. غير أنّ الشركات الجديدة المذكورة قرّرت تعتمد المقاربة ذاتها لبيع منتجات ملموسة، بعد أن كانت تقتصر في الماضي على البرمجيات.
ومن أحدث المنتجات التي برزت مؤخراً ضمن فئة المنتجات المعلّقة في الهواء، جهاز «كوين» الذي يجمع معلوماتك كلّها، من بطاقات الدين والائتمان وحتّى بطاقات الوفاء، والذي يمكن تمريره كبطاقات الائتمان العادية. وقد أطلق مصمّمو جهاز «كوين» حملة تمويل جماعي بقيمة 50 ألف دولار، وبلغوا الهدف المالي الذي حدّدوه خلال أربعين دقيقة، وهم يواصلون حتّى الآن استلام طلبات شراء مسبقة للجهاز بنصف سعره المستقبلي في سوق التجزئة. غير أن نجاحهم الحقيقي لا يتمثل بحجم الأموال التي سمح جهاز «كوين» بجمعها، بل بأنّ مصمّمي الجهاز أثبتوا وجود طلب على هذا الأخير في السوق ، باللجوء إلى طريقة البحث الوحيدة التي يمكن الاتكال عليها: أي السوق بحد ذاته.
لقد سمح بيع جهاز «كوين» قبل إنشائه بالارتقاء بمقام المنتجات الأولية المعروضة للبيع، مع الإشارة إلى أنّ إريك رايس أراد، من ترويجه لمفهوم المنتجات الأولية المعروضة للبيع، تطوير وإطلاق منتج بأقل عدد ممكن من الميزات، ومن ثم الاعتماد على ردود فعل السوق لتحسين المنتج وصقل معالمه. أمّا جهاز «كوين»، فقد سمح باختبار ردود فعل السوق من دون إطلاق المنتج حتى. ولا شكّ طبعاً في أن مصمّمي الجهاز طوّروا نماذج عنه واختبروها، بيد أنّ عملاء كثيرين قدّموا طلبات مسبقة لشرائه من دون أن يتسنّى لهم حتى رؤية نموذج عنه.
وتشير معظم الدراسات إلى فشل نسبة 50 في المئة أو أكثر من عمليات إطلاق المنتجات الجديدة، علماً بأنّ السبب الفعليّ لنجاح منتج أو فشله في السوق لا يزال موضع تخمينات، ما يجعل إطلاق أيّ منتج جديد بمثابة رهان، وبالتالي، لا يعتمد نجاح الاستراتيجيّة المعتمدة على مثاليّة هذه الأخيرة، إنّما على الفرص السانحة. وفي هذا السياق، تُعتَبر الاستراتيجية المعتمَدة لجهاز «كوين»، القائمة على بيع المنتج قبل إنشائه، خير طريقة لتحديد إطار عمل بأقل قدر ممكن من الخسارة، وأكبر قدر ممكن من الأرباح، إلى أن نكتشف طريقة تسمح بالتأكّد من أن السوق سيعتمد الجهاز المذكور.