أجزم، أن -بعضهم- يُمسك بالهاتف ويتصل على أرقام الآخرين دون أن ينظر إلى الساعة، هذه اللامبالاة ناتجة عن خلل في النشأة وسوء في التربية، أفقدت هذه الفئة القدرة على احترام أنفسهم قبل احترام الآخرين، لأن من يُقبل على هكذا سلوكيات، هو لا يحترم نفسه ويُعرضها للإهانة، فمن حق الشخص الذي يتم اقتحامه أن يُلقن -قليل الذوق- درسًا في أبجديات الذوق والأخلاق.
هناك كثير من السلوكيات المفقودة بيننا، والتي لا تجد برامج وفعاليات تُعززها وتنشرها بين الناس، بدءاً من البيت، مرورًا بالمدرسة، إلى مكان العمل، فمن المهم، في المؤسسات التي يعمل بها أشخاص طبيعة عملهم التواصل مع الجماهير، أن يتم تنبيههم والتأكيد عليهم بأن هناك أوقاتاً محددة للاتصال بالآخرين، تحترم وقتهم وخصوصيتهم، وأخص بالتذكير المؤسسات الإعلامية والصحافية، والتي عليها تنبيه العاملين بها على احترام الناس وعدم الاتصال بهم في أوقات متأخرة!
أتصور أن هذه القضية مرتبطة بعدم الإحساس بالوقت، فنحن كشعوب عربية -بشكل عام- نفتقد هذه القيمة الثمينة، وتظهر في أبرز أشكالها من خلال عدم تنظيم الوقت وبعثرته في مساحات كبيرة من الفراغ، بما يعود على الإنسان بالكسل والاكتئاب وعدم الاستقرار، وينتج عن هذا فقدان الاهتمام بكل شيء بما في ذلك الوقت الشخصي وأوقات الآخرين. إننا مع ثورة الاتصالات بحاجة إلى تعلُم ثقافة (إتيكيت الاتصال) فيعتقد -بعض- المتصلين أنه من باب خفة الدم عدم التعريف بنفسه، أو من شدة الأهمية تكرار الاتصال مئة مرة في الساعة، مع أن رقم المتصل يظهر، والشخص إذا لم يرد فهذا يعني أن هناك ظرفًا يمنعه، لكن ثقيل الطينة خفيف العقل يشعر بالنشوة وهو يعيد ويكرر الاتصال وكأنه يطلب من الشخص الآخر أن يُسمعه ما لا يرضيه.
كذلك رسائل الواتس أب وبرامج الدردشة الأخرى، يغيب عن -بعضهم- أنها للضرورة وليست وسيلة لاستقبال قصف يجمع ما بين الغث والسمين من الرسائل والشائعات والصور والفيديوهات، ويملك هذا الاعتقاد بأن هذه الوسائل لا تُمانع في استقبال رسائله على مدى الـ24 ساعة، دون دراية بأن هذه الرسالة قد تسبب إزعاجًا للمستقبل، أو أنها لا تتماشى مع اهتماماته وميوله.
أيضًا من قواعد الاتيكيت في الاتصال، التحدث مع الطرف الآخر باحترام وعدم إسقاط (الميانة) فأستغرب عندما يتصل أحدهم بامرأة ويتحدث معها وكأنه يعرفها منذ سنوات، بل لو كان هناك من يسمعه سيعتقد أنه (يمون) على هذه السيدة، وهنا مشكلة أخرى في افتقاد إتيكيت التواصل مع المرأة، فيظن -بعضهم- أن المرأة كاشفة الوجه ستضحك معه وستكون المهاتفة لتبادل النكات والضحك، لكن هذه الفئة ولأنها لم تتلقَ أصول التربية في بيت أهلها، فيأتي دور المرأة في تلقينه الأصول الأخلاقية التي لم تعبر على حياته، ولم يتعلمها أو يُمارسها من قبل.
أبجديات التواصل عند محادثة الآخرين، هي ثقافة تحتاج إلى تعليم وممارسة، فلو كانت الأم تذكر ابنها بالوقت في سن مبكرة، والأب يتحدث بلباقة وأدب مع الآخرين، لما نتج لدينا أشخاص يفتقدون إلى أبجديات الحديث المؤدب وانتقاء الوقت والألفاظ المناسبة مع الناس الذين يعرفهم، أو لا يعرفهم!