في هذا الزمن حيث تعددت قنوات التواصل، وتنوعت مصادر الأخبار والمعلومات، وتيسر ظهور أي شخص كان عبر تلك القنوات أصبح من السهل جدا أمام أي متعطش للشهرة والأضواء أن يذيع صيته في الآفاق، ويسير بقوله الركبان شريطة أن يختار الأسلوب الأكثر سهولة.
أعتقد أن أبسط طريقة بدأ يلجأ لها البعض ووجدوا فيها طريقا ممهدا هي الإساءة للآخرين وخاصة الكبار بما فيهم من علماء ورموز وطنية ومبدعين، وفي مجتمعات شديدة التحسس وسريعة ردة الفعل لن يجد أي باحث عن الشهرة أي عوائق أمامه للتسلق والوصول إلى ما يريد دون مشقة أو عناء. عندما أقدم الهولندي صاحب الرسومات المسيئة للرسول -صلى الله عليه وسلم- ربما وضع في ذهنه طبيعة الشعوب الإسلامية وكان له ما أراد إذ صنعت منه ردود الفعل العنيفة أيقونة براقة فتردد ذكره وروي فعله في كل مكان. لو قوبل فعله فقط من خلال الدوائر القضائية وتم تجاهله على المستوى الإعلامي هل كان سيحصل على عشر ما حصل عليه؟
خلال الأسبوع الماضي اتهم ناشطون في مواقع التواصل مغنية جزائرية مغمورة تلقب بـ»فله» بالإساءة للصحابي بلال بن رباح رضي الله عنه، وطالب دعاة سلفيون بمقاطعتها رغم أن «فله» عادت وأكدت أن كل ما روج عنها هدفه الإثارة لا أكثر، وأنها لم تقصد الصحابي الجليل على وجه الدقة وإنما قصدت زميلا لها اسمه بلال بوصفها له بالكحلوش، وهي مفردة جزائرية تعني الأسود، وأن هناك من فسر كلامها على غير مقصدها. بهذا التفسير أدخل بعض المتحمسين الفنانة المجهولة إلى عالم المشاهير، وحتى تثبت براءتها أو إدانتها ستبقى لفترات تحت الأضواء يتردد اسمها في كل مكان. شخصيا لا أعرف أي شيء عن هذه الفنانة قبل هذه الزوبعة، وهل هي بالفعل «سلطانة الطرب العربي» كما يصفها عشاقها؟
المشكلة قد لا تكون بكاملها في هؤلاء وأولئك الذين يظهرون علينا بعجائبهم في أي لحظة من لحظات ركودنا وسباتنا. نسبة كبيرة من المشكلة نحن من يصنعها بطريقة تعاطينا مع هذه النوعية من الآراء والأفكار الغريبة، أو ما يصدر من إساءات أو بذاءات أو كلام غير مقبول ربما تجاهلها أجدى وإن كان الحدث أكبر فالمحاكم هي المكان الملائم بعيدا عن الضجيج، لكن للأسف عادة لا يكون الرد موازيا للحدث فقد يفوقه بعشرات المرات، ويصل في أوقات للعنف والمظاهرات والتي تصور الحدث الصغير على أنه خطب جلل وهو ما يحقق في أحيان كثيرة بغية من أقدموا على الفعل للحصول على أكبر حجم من ردة الفعل!
تأتي ردة الفعل محققة لطموح المسيء في الغالب إذ تضج قنوات الفضاء بالبرامج الشاجبة لساعات من البث المتواصل لمناقشة الحدث واستطلاع آراء أكبر شريحة من المتخصصين والمشاهدين وكل تلك الأفعال المضادة تصب في النهاية في رصيد المسيء فتأتي ردود فعل العامة ومن باب حب الاستطلاع بتقاطر الملايين منهم لمشاهدة المقاطع التي توضح أحجام الإساءات.
قد يتوهم البعض أني أدافع عن المسيئين، لكن هذا اعتقاد خاطئ فأي مسيء أو متجاوز لابد أن يأخذ جزاءه من خلال الدوائر القضائية بعيدا عن الإثارة، وردود الفعل المبالغ فيها والتي تمنح المسيء من الشهرة والأضواء أكثر مما يحلم به.