معالي وزير الشئون الاجتماعية
قبل الحديث عن المدرسة الجاذبة أعتقد لازماً علينا أن نبحث حقيقة أسرتنا السعودية، هل هي جاذبة لأفرادها ابتداء من ركنيها الأساس « الزوج والزوجة « أم أنها طاردة، وإذا كانت الأخيرة، فلماذا، وكيف لنا أن نجعلها جاذبة، وما أثر هذا التغيير المطلوب على استقرارنا الوطني وأمننا الداخلي؟
قد يتساهل البعض في موضوع الطرد والجذب هذا وما علم أن غياب التوافق بين الزوجين في الأسرة السعودية التي أظهرته وكشفت عنه عدد من الدراسات السعودية ولدّ معه العديد من الأمراض الاجتماعية التي أرهقت وما زالت ترهق كاهل الجهات ذات الاختصاص،ولو قام طرفا المعادلة الأسرية بدورهم المناط بهم شرعاً، وتحقق السكن بدلالاته الواسعة في حياة كل منهما لنشء الصغار في بيئة صحية نفسية سليمة.
إن كثيراً من الأباء ألقى تبعات تربية أولاده على المدرسة، وصار دوره النقد وإلقاء اللوم على الغير متناسياً مسئوليته هو قبل غيره عن تنشئة فلذة كبده على النهج الإسلامي الوسطي الصحيح، وتربية صغاره على الأخلاق الفاضلة والمعالي الرفيعة والطموحات المتوازنة.
لست بحاجة هنا إلى استعراض واقع كثير من البيوت اليوم التي يسودها الاتكالية والتهاون والانفصال المعنوي وللأسف الشديد، ولكنني فقط أحببت أن أطرح مشروعاً وطنياً تتبناه وتطلقه وزارة الشئون الاجتماعية المعنية بصورة مباشرة بكل مامن شأنه تعزيز الكيانات الاجتماعية المختلفة في تحقيق فاعلية مجتمعية أفضل، هذا المشروع يهدف إلى توعية وتثقيف وتذكير ركني الأسرة في وجوب جعل مملكتهم الصغيرة جاذبة،وأول من يتوجه له الخطاب هذا، النخب والمسئولين ورجال المال والأعمال الذين غالباً ما يلهيهم سيرهم في الأرض وأعمالهم المرهقة عن واجباتهم إزاء حياتهم الأسرية، ويقدمون بين يدي أولادهم ما أطلق عليه أحد الكتاب «رشوة مالية» حتى يغفروا لهم تقصيرهم وإخلالهم بواجب التربية والجلوس معهم وملاطفتهم وإشباع رغباتهم القوية والصادقة بالعطف والمحبة والحنان حتى وإن بلغوا مبلغ الرجال وشبوا عن الطوق.
صدقوني بعض الأباء لا يعرف الغداء مع أولاده، ولا يذكر آخر مرة أكل معهم وجبة العشاء فضلاً عن أن يمضي معهم ساعة حوار حر ليكتشف شخصياتهم ويسعى إلى توجيه بوصلة حياتهم حسب ما يظهر له من ميول وتوجهات لديهم.
لك أن تتصور أن الوزارة أعلنت مثلاً 15 رجب من كل عام مثلاً «يوم الأسرة السعودية»، وسعت إلى توظيف جميع وسائل التنشئة الاجتماعية في المجتمع للتوعية والتثقيف بكل ما من شأنه جعل أسرنا جاذبة وإيجابية في التربية والتعليم خاصة.
أعرف مثلاً أن هناك في اليابان مدرسة للأمهات، متخصصة في تعليم المرأة اليابانية كيف تتابع دراسة ولدها حين يعود للبيت، وكيف تستطيع أن تجعله يستيقظ نشيطاً عند الصباح، فهل فكرنا نحن بمثل هذه المشاريع النوعية التي جزماً ستغير وجه المجتمع من الفوضاوية وعدم المبالاة إلى الجدية في الحياة.
إنني هنا وأنا أطرح الموضوع برؤية تشاؤمية لا يعني أنني سوداوي في نظرتي للأسرة السعودية إذ من المسلم به أن منا من اهتم بأفراد أسرته وحقق لهم الجو المناسب للتنشئة النفسية والاجتماعية والدينية والثقافية و... الصحيحة والسليمية ولكن هؤلاء الإيجابيين في هذا البعد بالذات وللأسف الشديد قلة حين المقارنة، إذ أن الطفرات الاقتصادية الثلاث التي مر بها المملكة ولا زالت تمر بها ولله الحمد والمنة أشغلت وألهت الآباء عن واجب القوامة ومسئولية الرعاية ولم يواكبها ويرتبط بها لغة التوازن والتوفيق بين إشباع الرغبة في المزيد من الثراء وصلاح الولد ونجاحه في مشورة بالحياة مع أن الكل يعرف أن صلاح الولد من الأعمال التي وُكلت للأبوين وجُعل نفعها متعديا حياة الإنسان كما في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم المعروف (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث... وولد صالح يدعو له).
إنني أهيب بكل رب أسرة أن يخطط من جد بجعل مملكته التي تحت يده مملكة جاذبة، ومتى تحقق ذلك فستكون النتيجة ذات أثر قوي على الكفاءة الإنتاجية الوطنية، وستقل الجريمة، وسيختفي التشرذم والضياع، وسيكون كل أب واقفاً على تفاصيل الوجع اليومي لمن هم تحت يده وسيسعى للوقوف معهم وعلاج أمراضهم المادية والمعنوية ما استطاع، والدعاء الدعاء بصلاح النية والذرية فمن الله العون وعليه التكلان، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.