يحدد كل مواطن في العالم هويته الوطنية حسب انتسابه القومي، وهذا في معناه الحقيقي الانتساب اللغوي ولا دخل له بالعرق. مسألة الأعراق غير مضمونة ولا مؤكدة وفي حالة سيولة عبر التاريخ، بالتمازج والتزاوج في السلم وبالأسر والاسترقاق في الحروب.
عند النظر في الهويات الوطنية نجد لكل مواطن تابع لدولة في هذا العالم، شاء أم أبى، ثلاث هويات، هي هوية اللغة وهوية الوطن وهوية الديانة. التعريف الرسمي المتبادل بين الدول يستعمل التعريف القومي الوطني أولا، ونادرا ما تضاف خصوصية الهوية الدينية. هذا الاختيار التاريخي للهوية الجغرافية السياسية لم يأت من العدم ولم يخضع للهوى المجرد من المصلحة، وإنما تم استعماله لتجنب الحساسيات الدينية والمذهبية عند التعامل التجاري والتبادل المعرفي بين الشعوب.
عندما نعثر على التعريف الديني كإضافة إلى هوية الدولة والمواطن، علينا التأكد من الهدف، وهو دائما الاستهلاك الدعائي المحلي وليس تحديد موقف ديني شرعي أمام الدول الأخرى.
الدولة الأموية أو العباسية أو العثمانية، على سبيل الأمثلة من التاريخ العربي والإسلامي، لم تكن بحاجة لإضافة الهوية الدينية بها، لأنها كانت جميعها بواتق انصهار لتجمعات سكانية مختلفة، بالإضافة إلى كونها امتلكت من عناصر القوة ما مكنها من السيطرة على الأوضاع دون حاجة إلى الاحتيال بالمسميات.
في زمننا الحاضر يوجد في العالم الإسلامي دولة واحدة تلحق الديانة بالهوية وهي جمهورية إيران الإسلامية. لإدراك السبب الحقيقي نحتاج إلى العودة للتاريخ. هل كانت الدولة الفاطمية في مصر إسلامية شيعية كما يوحي الاسم؟ التاريخ يقول إنها كانت دولة عنصرية غاشمة تتعامل مع الصليبيين ضد الدول الإسلامية في الشام والعراق والأوطان العربية بكاملها. هل جمهورية إيران الإسلامية بالفعل إسلامية الهوى والأهداف؟ الواقع العملي يقول إنها دولة قومية صرفة، ترتدي قميص الإسلام في تقية واضحة، للتحكم في أقلياتها غير الفارسية أولا، ولاستغفال الشيعة العرب في العراق والشام واليمن واستعمالهم ضد هوياتهم الأصلية.
ماذا نستنتج من ذلك؟ الاستنتاج المنطقي هو أن المحدد الأول والحقيقي لكل دولة في العالم على مر التاريخ، كان الانتماء القومي اللغوي، وأن إضافة الديانة للمسمى مجرد محاولات تغطية تستغل الدين لأهداف سياسية. المزعج في هذا العالم المتصارع على الهويات والمصالح في الوقت الحاضر شذوذ العرب عن القاعدة التاريخية. قطاع عريض من المواطنين في كل الدول العربية تمت برمجته بنجاح لجعل الانتماء القومي (اللغوي التاريخي) مسألة ثانوية لدرجة التحرج من الانتساب والتسمي به أمام العالم. يقولون بوجود هوية جامعة أكبر من الانتماء اللغوي التاريخي لكي يزجون بنا في حروب طاحنة مذهبية داخل هذا الانتماء الجامع الذي يدعون له. يقولون أيضا أن التسمي بالتبعية القومية شوفينية عنصرية، مخالفين بذلك القاعدة العامة في إعطاء الهوية في كل دول العالم. المسألة ليست عنصرية شوفينية، لكنها فقدان شبه شامل لبوصلة الهوية الجامعة التي لا تقبل التلاعب المذهبي والإقليمي والطائفي، لأنها لا تقبل القسمة على أي عدد أكبر من واحد.