كان الجو ملبداً بالغيوم ومنعشاً وثمة قطرات ماطرة مبهجة, فكان الكهل يطل من نافذة منزله يستطلع حال السماء هل ستجود بغزارة أم كالمعتاد غيوم وقطرات خفيفة ثم تضمحل. نظر لساعة معصمه وإذ بها تشير للتاسعة. انتفض على عجل وهو يخطف جاكيته ويهرول نحو الباب الخارجي وقلبه يحدثه أن الرفيق الشاب قد سبقه إلى هناك حيث المقهى.. نسيت أن أقول لحضرتكم إن الجاكيت الشتوي كانت ترافقه شمسية للوقاية من المطر فيما لو اشتدت وطأته. وهذا ما جعل المشهد مضحكا للشاب.
قال الكهل وهو يأخذ مكانه جانب الشاب.. وبرفقته ثلاثة من زملائه: الليلة ستكون عامرة بوجود هالوجيه الطيبة.
قال الشاب: أقدم لك أصحابي. سامي مهندس طيران وتركي ماجستير موارد بشرية وماهر مهندس تحلية مياه.
قال الكهل: ما شاء الله شهادات ومثلها كثير لو وظفت بمجالها لكنا استغنينا عن الغريب.
قال الشاب ممدوح: نطلب لك سحلب؟
قال الكهل: ما فيه حليب بالزنجبيل؟.
قال الشاب: حليب بالزنجبيل؟ هو أنت في بيتك!.. وضج زملاؤه بالضحك.. وهو يقول: سحلب يا ولد.
قال الكهل: لطّف العبارة يا بني، لا تقول يا ولد قل لو سمحت.
قال الشاب: متعودين عليها.
قال الكهل: لنغير من أسلوبنا.. حتى لا يفكر المباشر أنه أُهين.
قال الشاب: وش أقول؟!
قال الكهل: اسأله عن اسمه وناده به.
فقال تركي للكهل: ما هي طبيعة عملك يا عم؟.
قال الكهل: متقاعد وأبحث عن وظيفة
قال تركي باستغراب: وبهذا العمر يا عم؟!
قال الكهل: العلم من المهد للحد يتبعه العمل.
قال ماهر مهندس التحلية: لو افترضنا انك حصلت وظيفة وشي شهادتك دكتاتوراة؟! ويغمز بعينه لزميله.
قال الكهل ساخراً منه: لدي شهادتا دكتوراة، واحدة في أعمال الجبس والثانية بالخرسانة المسلحة.
قال ماهر: معقولة فيه شهادات دكتوراة بهذا التخصص.
قال الكهل: ما سمعت بالشهادات المزورة وبتخصصات نادرة وعملوا بمناصب رفيعة. ما معنى أنا؟
قال سامي مهندس الطيران: اتركونا من هذه الشهادات وغيروا الموضوع.
قال الكهل: تعال يا باش مهندس التحلية.. الناس تشكو من قلة المياه وها البحار اللي عندنا وراكم ما تقوموا بتحليتها وضخها لنكتفي من شح المياه.
قال المهندس ماهر: لدينا محطات تحلية لكنها لا تغطي الحاجة.. حتى أن آبار الأشياب لا تكفي بتغطية المدينة بالمياه فنعمل على توزيعها بالتساوي بين الناس، يوم لهذا الحي ويوم لذاك.
قال الكهل: وأنت يا مهندس الطيران.. ترى طياراتكم خربانة وكل يوم تتعطل ويفوت الكثير من المواعيد على الناس مع المستشفيات والاجتماعات والمحاضرات كله بسبب نظامكم اللي مثل خبط عشواء.
قال المهندس سامي: الشركة تقول إن المعدل التشغيلي 100%، لكن غالبا ما يحصل خطأ فني.
قال الكهل: الكلام عن المعدل التشغيلي خرابيط. انظر لشركات الطيران الأخرى مواعيدها مضبوطة ولا يوجد تذمر من زبائنها.. فمتى نرتقي بخدماتنا الجوية؟!
الكهل ينظر لساعته. قال: يا جماعة تأخرنا بالسهرة.. سنكمل بالليلة القادمة.. ونهض وهو يرتدي الجاكيت ويمسك بالشمسية.. ويرونه ويبتسمون. لأن البرد خف والغيوم لازالت ولا هناك مطر.. ولكنها مخاوف عمنا الكهل على صحته.