مازالت أوجه الحماية المقدمة للأطفال لدينا بحاجة لتفعيل وترجمة على أرض الواقع، وأن لا نرى بأنّ نجاحنا في حمايتهم تحقق من خلال دراسات نظرية، أو مؤتمرات دورية ، أو برامج عاجلة ووقتية لا نعلم من الذي تابعها وتأثر بها وسعى لتحقيق أهدافها، أو من خلال شراكات بين الجهات المعنية ما لم يلامس ما سبق أرض الواقع، لأطفال يعانون ويعيشون تحت سقف الخوف والتهديد من أقرب الناس لهم، ولا يملكون حيلة أمام ذلك إلاّ الخضوع والتجاوب لأنهم لا يعلمون من سيحتضنهم بسهولة، وسيتولاهم بعد الله سبحانه وتعالى عندما ينطقون بالحقيقة ! هذا الجيل الذي ننتظره لبناء الوطن مستقبلاً وحمايته والنهوض به، ماذا سنتوقع منه عندما يُنشأ على الخوف من قول الحقيقة؟ ماذا نتوقع منه وهو يدافع عن خصمه وعدوّه الذي ينتهك طفولته؟ ماذا نتوقع منه مستقبلاً وهو لا يعلم كيف يدافع عن نفسه لو بكلمات بسيطة أو رسومات تعبيرية بالإمكان تحليلها ومعرفة مما يعاني أو يشكو منه دون أن يتكلم؟ فالخوف من المشاعر المقيتة التي تدمر بناء الشخصية وتتجه بها للسواد والسلبية، والتجاوب مع السلوكيات المنحرفة واكتسابها بسهولة ونشرها في مراحل عمرية لاحقة، بهدف الانتقام من أوضاع الأطفال الآمنين كرد اعتبار للحياة الشقية السابقة لهؤلاء ! خاصة الخوف من مصدر الإيذاء لأنه أحد الوالدين مثلاً أو من هو قريب لهم، لذلك لابد من العمل على محاربته والتخلص منه من خلال البرامج التوعوية والتثقيفية المركزة على جيل الأطفال الحالي، من خلال الجهات المعنية بحماية براءة الأطفال، والنهوض بقدراتهم العقلية إلى التفكير الخلاق الذي يرسم لهم « شعار كيف أحمي نفسي بنفسي « ولا أكون ضعيفاً صامتاً بائساً ومستسلماً للاستغلال الجسدي والنفسي تحت مظلة ما يسمّى « الأُسرة «!
وما أثار هذا الألم لديّ بسبب ما أراه بشكل يومي من خوف أطفال العنف الأُسري من التحدث عما يصيبهم من أذى جسدي أو نفسي من أقرب الناس لهم، وكذلك أطفال التسوّل الذين يستغلون استغلالاً بشعاً لطفولتهم، وغيرها من النماذج التي قد لا نعلم عنها من بداية تعرّضها للأذى لكنها تظل صامتة وراضية بما يواجهها من آلام مستمرة في حياتها، لأنها لا تعلم ماذا تفعل ولمن تتجه مادام أقرب الناس لها ومن يتوقع منه الحنان والحب يسوء لها ويقسو عليها، وعندما يُكتشف أمره تكون أول مبرراته « التربية «! أي تربية هي ثمارها ستكون وهي قائمة على الخوف والعنف والاستغلال؟!
لذلك أتمنى من الجهات المعنية بحماية الأطفال قبل دخولهم هذه المراحل القاتلة لطفولتهم ، أن يترجموا اهتماماتهم على أرض هذه الفئة من الأطفال، والنزول إلى واقعهم البسيط والمحزن، وذلك من خلال التركيز المستمر وبشكل دوري على تثقيف وتدريب وتوعية من هم البدلاء عن الأُسرة، ألا وهم « المعلمون والمعلمات في المراحل المبكرة « وعدم الاكتفاء بالإنجازات السنوية فقط، خاصة أن التثقيف سيواجه قناعات ثقافية مجتمعية معينة لدى هؤلاء التربويين من الصعب تعديلها أو تغييرها من برامج قليلة خلال عام واحد! وكمثال على تلك الجهات برنامج الخليج العربي للتنمية (أجفند) والذي يُعد من الجهات الإنسانية الهامة التي لها تاريخ عميق على مستوى العالم في مجال الاهتمام بالمرأة والطفل، والاستراتيجية الوطنية للطفولة في المملكة العربية السعودية من أهم إنجازاتها وتحتاج برامجها لترجمة مستمرة، وذلك للتعايش مع مختلف المستويات الأسرية والاجتماعية، من خلال التعاون الملموس مع الشركاء المعنيين بذلك، وخاصة وزارة التربية والتعليم لدورها الهام والخطير في إعداد وتربية هذا النشء . فالعبارة التي قالها الأمير طلال بن عبد العزيز رسالة تربوية هامة أهديها للجميع .. عندما قال:-
(من أراد أن يستشرف مستقبل أُمّة من الأمم فعليه رصد حاضر الطفولة في تلك الأُمّة).