يقول وليد المعلم في كلمته التي ألقاها بمؤتمر جنيف 2 يوم الأربعاء الفائت: «فتحنا أرضنا للصحفيين ليتجولوا كما يشاءون، سمحنا بدخول المنظمات الدولية الإغاثية....»، وهو بهذا يدين نفسه بنفسه، ويعترف بأن لا أحد يستطيع دخول سوريا بدون ضوء أخضر من النظام، بما فيهم ميليشيات القاعدة التي تُدعى دولة العراق والشام (داعش) والتي جعلت النظام وشبيحته يتكئون على الأرائك ويضعون رجلاً فوق الأخرى، وهم يتفرجون على هذه الميليشيات التي تقاتل الجيش الحر بهدف عرقلته عن مقاتلة النظام وشبيحته والحرس الثوري الإيراني وحزب الله.
النظام السوري لا يزال يحاول «استغباء» العالم، وكأننا مُجرّد سُذّج لا نستطيع معرفة ما يدور ولا قراءة الأحداث بعين فاحصة، بما يحاول أن يوحي بأن هذه الفصائل الإرهابية هبطت على الأراضي السورية من السماء، وكأننا لا نعلم أنها تُقاتل لصالح النظام الأسدي الذي سعى من بداية الثورة السلمية إلى تدمير سوريا وقتل شعبها بطريقة وحشية كان رفع السلاح الشعبي فيها خيارًا لا بد منه ليدافع هؤلاء عن أنفسهم وأعراضهم، التي اغتالها شبيحة النظام بكل وحشية.
المضحك في كلمة وليد المعلم، أنه قام بسرد كل جرائم النظام السوري وقيّدها ضد مجهول وألقى بها على شماعة الإرهاب، مع أن هذه الجرائم هو من قام بها بالدليل والبرهان، أما الإرهاب فهو القائد الأعظم له. واستخدم كالعادة العزف على وتر (العروبة) وكأننا لا نرى ولا نعلم أن جناحه الأيمن إيران، وجناحه الأيسر روسيا، فأي عروبة يحاول تمريرها هذا النظام الوحشي الذي تمادى في جرائمه دون أن يجد من يقف في وجهه ليقول له كفى، سوى الجيش الحر الذي يُقاتل على عدة جبهات وكلما أغلق نافذة فُتحت أمامه عشرات النوافذ المشتعلة نارًا وحريقًا يريد أن يلتهمه!
وأنا أتابع ما يحدث في مؤتمر جنيف، أجد بونًا شاسعًا بين كلمة الرئيس السوري محسن الجربا، وممثل الأسد وليد المعلم، فرق كبير بين كلمة الأول الذي أتت بسرد أدبي ومنطقي ووطني، اختصر فيها الثورة السورية منذ بدايتها، والثاني الذي ما زال يوجه التُهم هنا وهناك، ويدعي الوطنية، ويسرد كل الجرائم التي أحدثها نظامه، وكأن الناس سُذجًا لا تعلم أنها جرائمه وحدثت بعلمه وموافقته وإقراره!
وأنا أشاهد وأعقد الفروق المليونية في ذهني بين الشخصيتين (الجربا والمعلم) أيقنت أن وليد المعلم وزمرته لم يعد لهم مكان في هذه الفعاليات، وبإذن الله ستكون المرة الأخيرة التي يجلس بها بين أشخاص لا يليق بمقامهم أن يجلسوا معه.
أظن أننا الآن نتساءل.. وماذا بعد مؤتمر جنيف؟ بنظري، لم يعد هناك خيار عن رحيل الأسد وزمرته، لم يعد السوريون يحتملون أكثر، فشلالات الدماء ورائحة الموت وعذابات التهجير باتت جزءًا من الحياة اليومية للشعب السوري، فكل ما يمكن عرضه وتقديمه من وجهات نظر إنشائية لا تُقدم ولا تُؤخر، الحاجة في الوقت الراهن إلى آلية عمل تحفظ ما تبقى من أرواح، وأنقاض بلاد دمرها الأسد بكره وبغض وضغينة تجاهها وتجاه من يسكن على أرضها!