حالمون هم أولئك الذين يجلسون بأناقة وابتسامات مصطنعة على طاولة المفاوضات في جنيف2 ليخرجوا بقرارات تؤكد ما سبق أن ذهب إليه جنيف1 بالدعوة إلى تشكيل حكومة ائتلاف وطني من النظام والمعارضة لقيادة سوريا والعبور بها من الحرب إلى السلام ومن التدمير إلى البناء ومن الشتات والفرقة إلى الاجتماع!
حالمون هم أولئك حلم يقظة بأن بشارا سيعود إلى رشده، وسيرعوي عن غيه، وسيعض أصابع الندم على ما اقترفته يداه في حق سوريا وشعبها؛ ويتنازل عن السلطة إلى من يختاره الشعب، متيحا الفرصة للعقل وللمنطق وللإنسانية أن تضع خياراتها بعد أن غيبها التسلط والدكتاتورية وكبرياء العظمة الموهومة.
حالمون هم أولئك وهم يعلمون أنهم واهمون في أحلامهم بأن بشارا سيتنازل أو يرحل!
هو - كما قال بصريح العبارة - لو أراد الرحيل لتنازل مبكرا قبل أن يخوض المعركة الكبرى مع شعبه ويدمر سوريا ويجلب إليها عشرات الآلاف باسم الجهاد من كل آفاق الدنيا!
لو أراد بشار أن يرحل عن الحكم في سوريا ويسلم السلطة لمن يختاره الشعب السوري؛ لفعلها قبل أن تنطلق الرصاصة الأولى على التظاهرة الأولى قبل ثلاث سنوات، وقبل أن يعذب ويقتل ويمثل بحمزة الخطيب أول طفيل شهيد في سوريا عام 2011م!
لو أراد بشار أن يتنازل ويسلم السلطة لفعلها؛ قبل أن يقتل أكثر من مائتي ألف سوري، ويشرد أكثر من خمسة ملايين، ويسجن ويعذب أكثر من نصف مليون، ويفقد أكثر من مائة ألف لا تعلم مصائرهم، وتدمر مدن سوريا واقتصادها، وتتوقف دورة الحياة والقلوب في الحناجر عند سماع دوي قنبلة أو سقوط صاروخ لا يعلم من أطلقه ولا أين يسقط ولا على رأس أي إنسان سيسقط!
لقد اختار بشار خوض المعركة حتى النهاية؛ فإما هو أو سوريا! لا خيار ثالثا في هذه الأزمة الطاحنة التي تتسع وتكبر دوائرها حتى لتكاد أن تهدد دول المنطقة والعالم بحرب ثالثة كفانا الله شرها وحمى بلادنا وبلاد العرب والمسلمين والعالم من الحروب والدمار.
لقد قام النظام الحاكم في سوريا على منطق واحد لا يعرف أن يتعامل بغيره؛ وهو منطق القوة والجبروت والأخذ بالظنة والشبهة، وتقسيم سوريا إلى مجتمع طائفي يتكون من أقلية نصيرية يدعي النظام علويتها في الشاطئ واللاذقية والجبل والقرى المنحدرة منه لا تشكل إلا ما يقل عن 20% من مجموع الشعب السوري وتمسك بدفة الحكم وبالأمن والاستخبارات والجيش والاقتصاد والإعلام والتوجيه والتثقيف والتعليم وغيره، وأكثرية سنية مسحوقة تشكل 80% من مجموع السكان لا تحظى إلا بأقل الفرص وأضعفها في المشاركة السياسية والاقتصادية وغيرها، ووضعت تحت هيمنة قوى الأمن والاستخبارات طوال خمسة وأربعين عاما؛ منذ ما سمي بحركة التصحيح المشؤومة 1970م التي قام بها حافظ الأسد.
والمعركة التي يخوضها بشار الآن منذ ثلاث سنوات خاضها أبوه حافظ من قبله مع شعبه بالحديد والنار والسجون التعذيب والقتل في المنافي للمعارضين طيلة ثلاثين عاما من حكمه، وإذا كان الأب قد اقترف جريمة واحدة كبرى؛ وهي تدمير حماه عام 1982م وجرائم أخرى متتالية أقل منها حجما لا ألما؛ فإن الابن قد فاق أباه وسحق كل سوريا ودمر مدنها وجلب لها من كل الآفاق المرتزقة والناقمين على الحياة والأحياء بشتى الدعاوى؛ فكل ينصر دولته أو جماعته أو أيدلوجيته؛ حزب الله مثلا وعصائب الحق وحزب الدعوة ينتصرون لشيعيتهم، وداعش والنصرة ومن لف لفهما ينتصرون لمن نهج نهجهم وآمن بمبادئهم القاعدية المتطرفة، وهكذا اختلط الحابل بالنابل، وتدفق المرتزقة الذين يجلبهم النظام للدفاع عنه من كوريا الشمالية وروسيا والصين وإيران والعراق وتركيا ولبنان واليمن والبحرين وغيرها؛ حتى غدت الأرض السورية ميدانا مفتوحا لصراع دول وجماعات الخاسر الوحيد فيها سوريا والرابح الوحيد فيها موقدو الحروب؛ أما بشار فليس إلا مطية حين ينتهي دوره ستغيب شمسه!