أكد لـ«الجزيرة» مختصون واقتصاديون أن قرار مجلس الوزراء بإلزام المنشآت ذات الأخطار المرتفعة بالتأمين التعاوني تجاه الغير يمثل نقلة في تعزيز إجراءات السلامة، إلا أنهم أشاروا إلى أن هذا القرار يحتاج إلى شركات تأمين ذات ملاءة مالية مرتفعة وكفاءة تشغيلية وإدارية، بما يحفظ حقوق الغير في الحصول على التعويض المناسب إذا ما تعرض إلى حادث في إحدى هذه المنشآت بسبب إهمال متطلبات السلامة فيها. وقال نائب رئيس اللجنة الوطنية للتأمين في مجلس الغرف السعودية عبد العزيز أبو السعود إن هذا الإجراء هو بالتأكيد خطوة في الاتجاه الصحيح، ولعل دواعي إصدار هذا القرار لا تختلف كثيراً عن دواعي فرض إلزامية التأمين على المسؤولية تجاه الغير الناتجة من استخدام المركبات على الطرق. وأضاف أبو السعود في حديثه لـ»الجزيرة» بأن من أهم إيجابيات القرار أن الأماكن والمنشآت والأنشطة الأهلية أو الحكومية ذات المخاطر التي يرتادها المواطنون والمقيمون، كغيرها من الأماكن والمنشآت والأنشطة، عرضة للحوادث؛ فقد تندلع فيها الحرائق أو قد تنهار، وقد تفتقر إلى بعض أو كل مستلزمات السلامة. والغاية من فرض إلزامية التأمين تجاه الغير هنا هو حفظ حقوق الغير في الحصول على التعويض المناسب إذا ما تعرض إلى حادث في إحدى هذه المنشآت بسبب إهمال أو تقصير المسؤولين عن المنشأة في توفير متطلبات السلامة كافة، ولاسيما أن الذي يدير المكان أو المنشأة التي تعرضت للحادث قد لا يملك القدرة المادية على تأدية التعويضات كافة التي قد تترتب على الحادث.
وعن أهم المعوقات التي تعترض صناعة التأمين التعاوني بالمملكة العربية السعودية قال: من أهم تلك المعوقات كثرة عدد شركات التأمين وتدني الوعي التأميني، إضافة إلى شح المهارات السعودية الناتج أساساً من حداثة إجازة التأمين، وتشريعات التأمين لدينا، وعزوف بعض الشباب عن العمل في قطاع التأمين لأسباب دينية، وعدم كفاية مؤسسات التدريب المتخصصة. وقد أدى شح المهارات السعودية في التأمين أحياناً إلى ترهل وظيفي وتوظيف أيدٍ عاملة سعودية قد لا تكون مطلوبة؛ وذلك تحقيقاً لنسبة السعودة. وغني عن البيان أن مثل هذا الترهل يؤدي إلى زيادة الأعباء المالية على الشركات وتباطؤ المؤمن لهم في تسديد الأقساط المستحقة؛ الأمر الذي قد يؤثر سلباً في مستوى السيولة لدى شركة التأمين وفي عوائدها الاستثمارية، كما أنه يؤثر سلباً في الاحتياطيات المطلوب تجنيبها لتغطية الديون المتعثرة.
من جانبه قال الاقتصادي فضل بوعينين: بشكل عام، أتفق تماماً مع قرار الإلزام التأميني، لكن هذا يحتاج إلى شركات تأمين ذات ملاءة مالية مرتفعة وكفاءة تشغيلية وإدارية، وهو ما لا يتوافر في السوق السعودية؛ لذا فالحكومة مطالَبة بإنشاء شركات تأمين ضخمة مشاركة مع القطاع الخاص؛ لتكون قاعدة الغطاء التأميني في المملكة، وهذا القرار قد لا يحقق الهدف إذا لم توجد شركات تأمين قوية.
وأضاف: التأمين من أهم أدوات التحوط ضد المخاطر، كما أنه يزيل الأعباء المالية الضخمة الناتجة من الكوارث، التي لا يمكن للمنشآت أو ملاك المجمعات ونحوها تحملها. أعتقد أن قرار التأمين الإلزامي على المنشآت ذات المخاطر المرتفعة والأماكن الأهلية والحكومية التي يرتادها إعداد ضخمة من المواطنين، وتديرها شركات أو مؤسسات أهلية، بالتأمين تجاه الغير غاية في الأهمية، ويحقق ثلاثة أهداف رئيسة: الأول إيجاد تغطية تأمينية لمواجهة الكوارث البشرية والعينية، والثاني حماية المنشآت وملاك المجمعات وما في حكمها من الإفلاس بسبب الالتزامات المالية الضخمة التي تفوق قدراتهم المالية، والثالث عدم تحميل الحكومة تبعات التعويض للكوارث المرتبطة بالقطاعات الاستثمارية، وإن كان ذلك لا يعفيها بالكلية. التأمين الإلزامي يجب أن يتحول إلى ثقافة عامة في جميع شؤون الحياة؛ لما يوفره من حماية تجاه تبعات المخاطر المستقبلية. وأحسب أن الجاذبات الشرعية في مسألة التأمين تحول دون تحوله إلى ثقافة مجتمع.
وقال مدير إدارة المخاطر بشركة التأمين العربية التعاونية خالد أسعد السجان: القرار الوزاري له علاقة بالناحية المجتمعية والناحية الاقتصادية. فمن الناحية المجتمعية عبارة عن عملية توفير التغطية السريعة لمنع وقوع حوادث في مثل هذه الأماكن. ونلاحظ أن التأمين لا يمنع وقوع ضرر، ولكن يعوض عن الضرر. أما بالنسبة للأماكن عالية المخاطر فقطاع التأمين عندما يتدخل بها يوجد بها ميزة ممتازة، هي (الخبرة الفنية)، فالدفاع المدني يتعاون مع شركات التأمين، وسوف يضعون معايير وشروطاً معينة، بمعنى أن التأمين من أجل أن يتم لا بد أن يُشترط على المكان شروط معينة من أجل أن تسري وثيقة التأمين، فإضافة إلى التعويض سيتم إدخال العامل الفني في رفع ضبط عامل الأمان في الأماكن التي بها خطر. أما من الناحية الاقتصادية فسيكون لها منفعة لشركات التأمين، وسوف تعمل على تحريك سوق التأمين بشكل كبير جداً. لكن في العادة هذه النواحي الجديدة تأخذ فترة من أجل استيعاب حجم المخاطر الحقيقية، بمعنى أنه سيكون هناك دورة اقتصادية لشركات التأمين، وسوف تجني دخلاً كبيراً، ولكن في المقابل إذا لم ينتبه التأمين في حساب العمليات بشكل صحيح سيتكبد خسائر عالية جداً.