أتمنى لو أن الأمم المتحدة تحدد يوماً في السنة تسميه يوم مقاطعة التلفزيون، وهو يوم احتجاج على ذلك الصندوق، الذي غزا بيوتنا، وتسبب في اغتيال الكتاب، ومن ثم أصبح أبناؤنا بلا قدرات قراءة، أو كتابة.
ولكن لو قصرنا احتجاجنا ضد الفضائيات العربية، وطلبنا شجباً لها، فقرارات الشجب جاهزة لدى الجامعة العربية، ومعلبة، بأحجام مختلفة. ولكن يبقى الوضع حزيناً، ومأساوياً.
ولئلا أتهم بالتجني، فإنني سأعرض عليكم ثلاثة مشاهد، يمكنكم مشاهدتها على الفضائيات العربية، ولكم أن تحكموا بعد ذلك:-
• المشهد الأول: المعلّق في مباراة كرة القدم العربية، وقد أصيب بحالة هذر، لا تتيح له أن يبلع ريقه، أو يلتقط أنفاسه، بل هو نسي أنه يعلق في التلفزيون، وليس الإذاعة، وصار يلجأ إلى وصف ما يراه المشاهد، بدون أي إضافة مفيدة، وهنا نتساءل لماذا لا تعمل محطته الفضائية على إجلاسه إلى جهاز فيديو، لمشاهدة مباراة إنجليزية، ويفرض عليه ألا يبارح مكانه، حتى يتعلم أداء، ومنهجية، المعلق الإنجليزي؟!
• المشهد الثاني: فضائيات المجون، التي تعرض الراقصات الماجنات، وقد اخترعت تلك الفضائيات اختراعاً لم يسبقها إليها أحد، ولا هو موجود، حتى في الدول الاسكندينافية، المشهورة بتساهلها تجاه الحرية الجنسية، ألا وهو أن يقوم المصور بالاستلقاء على ظهره، وسط حلبة الرقص، ليصور الصبايا حوله، وهن يتمايلن، مثل سعف النخيل، في يوم عاصف. ومع الأسف إن كثيراً من تلك المحطات هي مملوكة لخليجيين!!
• المشهد الثالث: هو مشهد المحاور العربي، المصاب بداء النرجسية المزمنة، بحيث لم يعد المحاور مهتماً بسماع أجوبة ضيفه، واستبدل ذلك باستعراض عضلاته، وبعدد الأسئلة المتلاحقة التي يسألها، قبل أن يفتح الضيف فمه، ويطرح أسئلة كل واحد منها يستغرق عشر دقائق!! ناهيك عن مقاطعته للضيف، وفرض آرائه، في حين أن المشاهد كان يتطلع إلى رأي الضيف، وليس رأي المحاور.
مرة أخرى، كان يمكن للمحطة أن تفرض على محاوريها، أن يدرسوا أسلوب المحاور الأمريكي لاري كينج، أو جون سباستيان الإنجليزي، كجزء من تأهيلهم، وألا يسلّموهم المايكروفون، حتى يثبت شفاؤهم من نرجسيتهم.
ولكن الفضائيات العربية لا تحترم المشاهد العربي، وقد يتساءل المرء، من أفسد من؟ هل أفسدت الفضائيات ذوق، وعقل المواطن العربي؟ أم أن المواطن العربي «عايز كده»؟ أم هما الاثنان معاً؟، لكل ذلك أعترف أن هذه الحالات مستعصية، فلا المعلّق الرياضي المهذار، مستعد لتخفيف ثرثرته، ولا الغواني الماجنات، في طريقهن إلى التوبة، ولا المحاورون قابلون للشفاء من نرجسيتهم.
الكتاب مات رحمه الله، ولسان حاله يكرر ما قاله الزعيم المصري سعد زغلول، الذي يروى أنه عندما دنت منيته، تمتم لزوجته قائلاً «مافيش فايدة، غطيني يا صفية»!!