التكفير هو أس بلاء المجتمعات الإسلامية، خاصة من يجثم التخلف على أذهانهم فيحيلهم إلى قنابل موقوتة تفجر بعضها بعضا وهم لا يشعرون. التساهل في التكفير هو دعوة غير مباشرة للقتل والفتن وإراقة الدماء ونسف استقرار المجتمعات. لذلك يتخذ الحركيون المتأسلمون منه أداة لفرض ما يؤمنون به فرضاً وبالقوة على مجتمعاتهم، فإما أن تقبل ما أطرح وإلا فالتكفير ليصبح دمك مهدورا، واغتيالك هو أقرب الطرق للجنة.
وليد السناني كفّر المجتمع السعودي والخليجي والعربي بل والأغلبية المطلقة من مسلمي اليوم في كل أصقاع الأرض بدم بارد، أو أنه أحياناً يتنازل قليلاً ويعتبر من يختلف معه مفتونا، ولم ينج منه لا الشيخ ابن باز ولا الشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله - ولا المفتي العام الحالي، بل ولا جميع أعضاء هيئة كبار العلماء الذين سماهم (كبار العملاء).
ربما أن ميزة السناني الوحيدة هي صدقه؛ فهو فعلاً رجل يُعبر عن قناعته دونما وجل أو خوف؛ لا يراوغ ولا يُناور ولا يتلمس المبررات لإخفاء قناعاته. وليس لدي أدنى شك أن هناك من يحمل نفس الفكر التكفيري إلا أنهم أجبن من السناني. السبب أن التكفيريين المختبئين أو المختفين أو المراوغين هم أصحاب مشروع سياسي، وهم صامتون ويظهرون ما لا يبطنون لأنهم يرون أن المجتمع في حساباتهم لم ينضج بعد لزعزعة استقراره ونزع الشرعية عن سلطته الحاكمة من خلال إعلان تكفيرها، وأنها حكومة (تحكم بغير ما أنزل الله)، ليتسنى لهم من خلال (التكفير) الانقضاض على السلطة.
كما أن تكفير فصائل من يُسمون بالجهاديين في سوريا بعضهم للبعض الآخر هو امتداد لفكر السناني وثقافته وما يتفوه به. فتنظيم (داعش) - مثلاً - وكذلك (جبهة النصرة) هما تطبيق عملي لثقافة التكفير على الأرض؛ وقد ثبت مما خلفوه من أهوال ودماء للإنسان البسيط وغير الواعي أن (الاستقرار والأمن) مهما كانت مبررات الثوار وشعاراتهم هي أغلى ما يملكه الإنسان في حياته، وحينما تتساهل المجتمعات مع الفكر التكفيري (الثورجي) يعني بالضرورة أن ما حصل في سوريا من فتن وأهوال وتدمير وخراب تشيب لهوله الولدان يمكن أن يحدث في أي مكان يجد فيه هؤلاء المتأسلمون الوحوش الفرصة لممارسة ثقافتهم. وأكاد أجزم أن هذه القناعة هي قناعة الغالبية الكاسحة في بلادنا وكذلك الأمر في دول الخليج بل وبقية الدول العربية والإسلامية؛ فليس من سمع كمن رأى، وقد رأوا بأعينهم نتيجة التساهل مع التكفير والتكفيريين، وإلى أين أوصلوا سوريا في نهاية المطاف؛ وهم يحاولون الآن بجهد أن يأخذوا مصر إلى المآل نفسه.
والأمر لا يتوقف فقط على داعش وجبهة النصرة، وإنما يشمل التكفيريين على الضفة الأخرى من النهر؛ أعني المتطرفين من مقاتلي التنظيمات الشيعية في الشام، سواء من ميليشيات (حزب الله) أو الميليشيات العراقية (الشيعية) الأخرى المتعطشة للقتل والدماء والمقاتلة هناك؛ فهؤلاء - أيضاً - يُمارسون الفعل نفسه (القتل) حسب الهوية الطائفية؛ ربما أن المتطرفين الشيعة أذكى وأدهى من التنظيمات التكفيرية السنية فلا يُفصحون عن نواياهم جهرة كما يفعل التكفيريون السنة، إلا أن النتيجة النهائية في المحصلة هي نفسها لا فرق بين هؤلاء وهؤلاء إلا الاختلاف الطائفي.
أمام هذه الحقائق، وما رأيناه من دماء وفتن ومآسٍ بسبب هذه الثقافة التدميرية (التكفير)، لا بد من إيجاد صيغة نظامية مؤداها أن من يتفوه بـ (التكفير) على مُعيّن مسلم دونما حكم قضائي يُعتبر (مُجرماً) يجب ردعه وتعزيره؛ وأنا على يقين أن الفقهاء إذا صدقت النوايا سيجدون تخريجاً شرعياً لهذا النظام أو القانون.
إلى اللقاء.