أكتب الآن من جامعة الملك سعود, من المنشآت الجامعية الجديدة للطالبات، كلية الآداب، قسم الدراسات الاجتماعية بالدور الثالث من مكتب وكيلة القسم المكتب رقم 37.الساعة تشير إلى الواحدة وتسعة وعشرين دقيقة ظهراً, والمكتب لا يزال يعج بعدد من الزميلات أعضاء هيئة التدريس
والباحثات ومشرفات التدريب الميداني والإداريات كل يحاول أن يتمالك نفسه أو يحاول أن يهدئ روعه وروع الآخرين بعد أن عشنا ساعة كاملة من أقسى أنواع الرعب وهو عادة الرعب المصحوب بقلة الحيلة.
حوالي الساعة الثانية عشرة ودقائق كان اجتماع القسم قد انتهى للتو, وبدأت الوكيلة وسكرتيراتها باستقبال الطالبات لشتى الشؤون، خاصة في متعلقات الجداول والترتيبات ما بعد القبول والتسجيل إلا أن أحد الطالبات لبرنامج الدراسات العليا الموازي أثناء تواجدها لبعض ذلك الشأن وفيما كانت تنتظر بهدوء واطمئنان دورها في المراجعة مالت فجأة عن الكرسي وقبل أن يستطيع أحد ملاحظة الموقف كحالة صحية سقطت الطالبة من الكرسي على الأرض في وضع صحي حرج بدا واضحاً لحظتها أنه بحاجة إلى إسعاف عاجل.
ومن تلك اللحظة بدأت سلسلة التخبط في قلة الحيلة فبعد محاولات عفوية لم تنجح في محاولة إسعاف الطالبة بحسب معلومات بعض الحضور في الإسعافات الأولية وبعد محاولات فض التقاطر عليها وفتح النوافذ شحذا للهواء, أو لعله أثناءها ومعها بدأت الاتصالات بعيادة الجامعة الطبية وهي عيادة بطاقم طبي بسيط مكون بحسب ما علمت من طبيبة وممرضتين أو ثلاث. غير أنه لسوء حظ الطالبة المصابة والجامعة كانت الطبيبة مشغولة مع حالة أخرى كما بلغوا القسم. استدعيت وكيلة كلية الآداب وحضرت أيضاً في حينها عميدة قسم الدراسات الإنسانية للبنات دون أن يكون على ما يبدو بأيديهن ما ينقذ الصبية المصابة صحيح أنه كان هناك حرص قوي وشديد من وكيلة القسم ووكيلة الكلية وعميدة مركز الدراسات الجامعية للبنات وجميع الزميلات، جميعاً على فعل أي شيء ينجد الطالبة الشابة ولكن لم يكن باليد كبير حيلة. وما لبثت الإشاعات أن شاعت ممن شاهدوها عن قرب بأن الروح البريئة قد فارقت الحياة وصعدت إلى بارئها غير أن ذلك ظل أمراً لا يمكن أن يبت فيه بالمعاينة العادية من قبل أناس لا يملكون معرفة ولا دربة طبية ولا أدوات للتحقق. بعد أكثر من حوالي 25 دقيقة حضرت ممرضات من عيادة الجامعة مع كرسي متحرك لعدم توفر نقالة. ولا شك أن أولئك الممرضات قد حاولن ما في وسعهن لعملية الإنقاذ مع من كان حاضراً من الزميلات, ولكن القيام ببعض إجراءات الإسعاف الأولية بتؤدة لم يكن مجدياً في حالة كان من الواضح أنها تحتاج لإسعاف متخصص غاية في الدقة والسرعة معاً. وفي هذه الأثناء وقبلها عرضت إحدى أعضاء هيئة التدريس اصطحاب الطالبة إلى المستشفى. وعرضت أيضاً بعض الآراء بأن يجري حمل الطالبة في نقالة تعمل من مجموعة عباءات وشراشف الصلاة ويتم نقل الطالبة بسرعة لمستشفى الملك خالد الجامعي القريب من المباني الجديدة لجامعة البنات على طريق الأمير تركي الأولى في تقاطعه مع طريق الملك عبدالله، فكان هناك تردد في نقل الطالبة بهاجس على ما يبدو بأنه لن يكون سهلاً إخراجها من البوابات لتشدد الإجراءات. وقد سمعت من يقول: «ما أظن أنه يسمح بإخراجها» أو شيء من هذا القبيل الذي كان بادياً فيه أن هناك تحسباً من الإجراءات المشددة التي تكون مفروضة عادة على دخول وخروج الطالبات في الأحوال العادية بطبيعة الحال وليس في مثل هذه الحالات الطارئة ولكن بلاشك كان هناك حالة من الارتباك الشديد والتحسبات المرجعية والشعور برعفتاك مصحوباً بقلة الحيلة بما يوزاي حس المسؤولية في تلك اللحظات الراكضة الثمينة. وبإستلهام من» 991 الإسعاف الامريكي الفعال»، قامت بعض الزميلات بالاتصال بالاستعلامات 905,وسؤالهم عن رقم الخدمة الموازية لذلك إن كان يوجد عندنا مثيل لها. وهكذا كان، وإن سمعت بعد طلبهم من كان يتساءل كيف يدخل المسعفون وهم رجال إلى الحرم الجامعي للبنات فلا بد أولاً من إخلائه من الطالبات ولكن ما هي إلا لحظات ووصل المسعفون بأدواتهم الإسعافية وتم تثبيت أجهزة الإسعاف على جسد الطالبة وجرى حملها على نقالة إسعافية معدة وإن ظهرت إشكالية أن المصعد العادي لايتسع ليقوم المسعفون بحمل الطالبة على النقالة، وحين أقترح حمل النقالة بمصعد الخدمات أتضح أنه خارج الخدمة ومعطل نظراً لجدته. فما كان من بد إلا حمل الطالبة بنقالتها وأدواتها الإسعافية بين أيدي المسعفين والهبوط بها ثلاثة أدوار من الدور الثالث للدور الأرضي.
لقد جرى تطميننا قبل دقائق بأن الطالبة وصلت المستشفى وأنه جاري إسعافها على أمل أن يربط الله على قلبها ويجلي الغمة عنها وأسرتها بل عنا جميعاً بشفائها ولكن..............
ولكن من الواضح أن الموقف كان موقف حياة أو موت يمكن أن يتعرض له أي من منسوبي الجامعة وكانت تتعرض له بنت غالية من بنات الوطن وفلذات الأكباد ولم يكن من استعداد بالجامعة لمواجهة مثل هذه الحالة الفادحة لإنقاذ روح شفيفة شابة من احتمال الموت.
واقتراحي المحدد بهذا الصدد هو عقد اجتماع طارئ على أعلى مستوى بإدارة الجامعة يسترجع الموقف بموضوعية ومسؤولية ويضع الخطط ويتخذ جميع الإجراءات القانونية والتنفيذية لإنقاذ أرواح بريئة من أخطار محتملة في مواقع الدراسة والعمل من توفير طواقم طبية وطواقم إسعاف بشرية متخصصة ومدربة وأدوات مهنية عالية الدقة و توفير سيارات إسعاف بطواقمها مع وضع خطة ألف وباء بل وجيم لحالات الطوارئ بمرونة إدارية وحس مرهف ويقظ في قضايا الموت والحياة وكيفية مواجهتها بفعالية ومسؤولية. ولله الأمر من قبل ومن بعد.