تبادل الحوارات والثقافات هو أحد أهم الأسس لبناء المجتمعات، ولنصل إلى غاية أكبر، بدأ مفهوم تبادل الحوارات والثقافات بين الدول، لنبني علاقة قائمة على التعاون والاحترام والمحبة بين الشباب، لكونهم أساس الحضارة، قوة الأمم، وعنوان نهضة الوطن، والمقوم الأساس في المجتمعات وعمودها الفقري.
ومن هنا جاءت فكرة منتدى حوار الشباب السعودي من وزارة الخارجية، تجسيداً لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - للحوار بين أتباع الأديان والحضارات المختلفة لنشر الإسلام والمحبة بين الشعوب والتي تسهم أيضاً في تحقيق أهداف أخرى متعددة أهمها تطوير ودعم العلاقات بين الدولتين. ويقام هذا المنتدى بين فترات منتظمة في عدد من الدول المختلفة، تحت موضوع أو خلفية معينة بين الشباب حتى يصلوا إلى نتيجة لحل القضايا من منظورهم الخاص، ليرسلوا رسالاتهم وأمانيهم لأصحاب الشأن، حتى يكون لهم دور فعال في حل قضايا المجتمع بطريقة مميزة وإبداعية. رحلة المنتدى لهذا العام أقيمت في جمهورية تنزانيا في شرق وسط أفريقيا، تحت موضوع «حماية الحياة الفطرية» وبإشراف الهيئة السعودية للحياة الفطرية وعدد من المختصين. حالفني الحظ أن أكون أحد المشاركين في هذا المنتدى الرائع، من بين 20 شابة وشاباً في مختلف الأعمار ومن أنحاء ومناطق مختلفة في المملكة العربية السعودية، ومن هنا بدأت الرحلة..
مدينة تنزانيا، مدينة الطبيعة والجمال الحقيقي الرباني، من دون أي إضافات، ولهذا السبب بالتحديد تم اختيارها لهذا المنتدى، لكونها غنية بالثروة الحيوانية والنباتية، لحب واهتمام شعبها بالطبيعة، وبالرغم من قلة الإمكانيات وعدم توفر الموارد المالية الكافية، إلا أنها لم تكن عائقا أبداً في سبيل المحافظة على التنوع الإحيائي والكائنات الحية، وفي نظافة شوارعها، ومحاولة استغلال أبسط الأساليب من أجل الإنجاز في جميع المجالات، وهذا هو الإنجاز الحقيقي، هذا هو أساس الإبداع، أن ننظر ونستغل الوسائل والظروف المتاحة لنا، بغض النظر عن صعوبتها أو قلتها، وأن نحاول ونسعى إلى التقدم والتطور بأبسط الوسائل. قضينا عشرة أيام في أجواء وطبيعة تنزانيا الخلابة، بداية من تسلقنا لجبل كلمنجارو، أطول جبل في قارة أفريقيا، من كان سيتصور في يوم من الأيام أننا سنتسلق جزءاً من هذا الجبل الذي درسنا عنه في كتاب الجغرافيا في صغرنا، حتى زيارتنا لأقدم المحميات وأشهرها سرينقتي التي تشتهر بتنوعها الإحيائي الكبير ونرونقرو، كما تعرفنا على قبيلة الماساي التي تتعايش مع الحيوانات، وعن طبيعة حياتهم وطقوسهم المختلفة، وتضمنت الرحلة زيارات لعدد من أهم الجامعات ومراكز الأبحاث مثل «تانابا» وتقديم عروض تشرح طبيعة العمل هناك، مع توضيح المخاطر التي تواجههم في المحافظة على الكائنات الحية وحلولهم المقترحة، بالإضافة إلى المختبرات والتقنيات المتواضعة المستخدمة في مجال المحافظة على الحياة الفطرية. ويتخلل هذه الزيارات نقاشات بين الشباب السعودي والتنزاني فيما يخص هذا الموضوع، للوصول إلى حلول مشتركة بين الدولتين.
ما يميز تنزانيا بخلاف جمال طبيعتها وأجوائها، هو جمال روح شعبها، وجهودهم ومكافحتهم للحصول على رزقهم، والجد في العمل والإخلاص، ومحبتهم وتقديرهم للوطن، واحترامهم للشعوب والدول الأخرى، وهذا أحد أهم أساليب إنجاح الحوارات بين الدول، أساسها يتمحور حول احترام الإنسانية، وهي أهم ركن في هذه العملية، فمهما اختلفت العادات والتقاليد والثقافات لا يمنع كل ذلك من أن ننجز سوياً عملاً يفيد مصلحة الطرفين، لا يمنع أن نتعاون معاً نحو الإصلاح، وإن اختلفنا في الطريق إليه، علينا أن نقدر هذا الاختلاف وأن نستغله بالشكل الجيد حتى نصل سوياً ونتكاتف معاً لتحقيق الإنسانية، ونبني مجتمعات أساسها القوة والعزة والاحترام، وهذا ينطبق على جميع علاقات الإنسان بالآخرين. حب الشباب للمغامرة وتجربة كل ما هو جديد هو أقوى داعم لهذا المنتدى، لخوض الشباب في تجارب جديدة، تعزز ثقافة الحوار لديهم، والتواصل الحضاري بين شباب العالم، وتدعم مهاراتهم، وإمكانياتهم، وفرصهم، وتحملهم مسؤولية كبيرة، وتستثمر حماسهم، وإصرارهم على مواجهة التحديات، والاستفادة من خبرات الدول الأخرى في جميع المجالات، وتعزز العلاقة بينهم وتكسر حواجز المسافات، وتشجعهم وتهيئهم لدخول عالم جديد، وفاتحة لهم لإنجازات أكبر في المستقبل - بإذن الله -.
وفي ختام هذه الرحلة، يسلم كل من الشباب السعودي والتنزاني رسالة موجهة إلى الحكومتين بأهم المبادرات، موضحين آمالهم وطموحاتهم فيما يخص القضية المطروحة.
هذا المنتدى هدفه الأساس هو الشباب.. ليبنوا عالماً جديداً بأيديهم، فهم الحاضر والمستقبل، وهم نتاج محاسن ماضيهم.