الولاء أوالتعلق بالوطن له سببان، روحاني موروث ومادي مكتسب. السبب الروحاني غريزي وشبه مضمون أما المكتسب فيحتاج إلى من يعمل من أجله.
انقطاع الصلة أو السلسلة بين المواطن ومصلحة الوطن يحتاج إلى مثال بسيط، يعبر رغم بساطته عن الموضوع بما فيه الكفاية. في نهاية الأسبوع الماضي خرجت مع بعض الأصدقاء إلى إحدى الرياض المنتشرة حول العاصمة. كانت الأرض خضراء بالكامل وفي منتهى الجمال والاكتساء بالأعشاب والشجيرات، وكل هذا الجمال ليس للمواطن ولا للدولة دخل فيه فهو من صنع الله. المزعج والسيئ كان انتشار النفايات في ذلك المكان رغم بعده عن المدينة. أعداد الأكياس البلاستيكية والأكواب ومخلفات من سبقونا من المتنزهين وبقايا الأطعمة والعظام وحفائظ الأطفال، هذه المخلفات كانت لا تقل انتشاراً عن الأعشاب من حولها.
ليس الأمر ضمن مسؤوليات الدولة ولا صحة البيئة ولا فروع البلديات، لكنه من صميم واجبات وثقافة المواطن. من يتعامل بهذه الطريقة البشعة والمدمرة للبيئة مع مسحة إلهية بهذا الجمال لا تحصل إلا كل عشر سنوات في وطنه الصحراوي، ليس مواطنا ً صالحا ً ولا يحب وطنه وثقافته الصحية والبيئية متدنية جدا ً. من تحصيل الحاصل وجوب علاقة عاطفية بين حب الوطن وحصول المواطن على الحقوق الأساسية في وطنه.
إذاً ثمة حلقة ضائعة في سلسلة المواطنه، اسمها حب المصلحة العامة. حب الوطن، التضحية في سبيل الوطن، عزة الوطن، إلى آخر المصطلحات التلقينية في المرحلة الإبتدائية والمتوسطة، هذه كلها شعارات قلبت فيها المفاهيم. تم تقديم المسمى الجغرافي على البشري وفرغ من المعنى الحقيقي للوطن، وهم البشر جيلا ً بعد جيل. المعنى المتضمن في الشعارات الوطنية هو في الحقيقة حب المواطن لخير المواطن الآخر، وهو المعنى الوحيد الضامن للولاء الجمعي لوطن واحد، بمعنييه البشري الإنساني والجغرافي المادي.
بهذا الخصوص لدينا مواطنون كبار، وهم أقلية، ومواطنون صغار وهم الأغلبية. مصطلح كبار وصغار هنا يقصد به الثراء والنفوذ للكبار وشح المال وقلة الحيلة للصغار. الكبار يجلسون على كراسي المسؤوليات، وهم المخولون بالتصرف بأموال الميزانية فيما تحدده من أوجه التنمية، هذا هو المفترض وطنيا ً.
الصغار ينظرون إلى الكبار آملين بنصف قلب ومتوجسين بنصف القلب الآخر، في أن يحسن الكبار التصرف ولا يدخلون في جيوبهم الخاصة أكثر مما تعطيهم الدولة، وهو كثير. للأسف الكبار لا يتصرفون بناءً على ذلك، فهناك فساد واضح على مستوى الحصص في الأراضي وترسية المشاريع ولجان المتابعة وتقديم الموالاة على الكفاءة التي تصل إلى تفضيل الأجنبي غير الكفؤ على المواطن الكفؤ لضمان الموالاة الشخصية. هذا الكلام ليس تجديفا ً من فراغ، إنه ما تعترف به هيئة مكافحة الفساد وتقول إنها لا تستطيع عمل الكثير لتغييره.
لهذه الأسباب، نفوذ وثراء الكبار وشح وقلة حيلة الصغار، انقطعت السلسلة التي تسمي الالتزام الوطني بالمصلحة العامة. إذا كان المسؤول الثري يعيش في إقطاعية كبيرة ويتواصل اجتماعيا ويتصاهر مع أمثاله ويقضي إجازاته العائلية والخاصة في أغلى المنتجعات العالمية ويعالج نفسه وأفراد أسرته في أفضل المستشفيات خارج الوطن لأنه لا يرتاح للخدمة العلاجية في بلده، عندئذ كيف لنا أن نتوقع التزام المواطن الصغير بالمصلحة الوطنية العامة ؟.
إذا كان المواطن الصغير (وهو الأغلبية) يشعر بأن الكبير يأخذ زيادة على حقه وأكثر مما يحتاج ومحصن ضد المساءلة، كيف للمواطن الصغير حينئذ أن يتعامل بحرص ولطف أو كما نقول بوطنية مع المرافق العامة وآداب القيادة في الشارع والطرق السليمة للتخلص من النفايات والالتزام بمصلحة المراجعين في الدوائر الحكومية وبحقوق المسافرين في المطارات وبأولوية الحجز في المؤسسات الصحية؟.
الخلاصة : لا يكتمل حب الأوطان إلا باستيفاء الشروط، وما عدا ذلك مجرد شعارات مدرسية.