رغم أني منذ زمن بعيد لم أشاهد فيلما عربيا بمعنى المشاهدة والمتابعة ، وطبعا الأفلام العربية معظمها مصرية لها ذات الطابع الذي لم يتغير إلا قليلا، إلا أنني أحرص كل ليلة على متابعة فيلم على إحدى القنوات التي تقدم أفلاما أجنبية أو من مكتبة الأفلام التي أحرص على انتقائها سواء من الأفلام المقتبسة من روايات أو تلك التي تبتعد عن أفلام الرعب و( الأكشن) .
المحير فعلا أنه برغم العصف الروائي الذي شهدته الساحة الأدبية العربية وتصدرت الرواية على الأجناس الأدبية الأخرى فلماذا غفل منتجو الأفلام العربية عن تحويل ما يناسب من تلك الروايات إلى أفلام مشاهدة!!! لماذا لم يلتفت هؤلاء للأدباء الذين هم أولى أن تقدر أفكارهم وتدعمهم القنوات بالمال والحضور!؟ ولأننا مجتمع متخلف في القراءة عن الشعوب الأخرى ، لذلك ربما يكون في مشاهدة الأعمال الأدبية المترجمة سبيلا لرقي الذائقة ، والاطلاع على فكر مبدعينا.
توجهت القنوات لدبلجة المسلسلات التركية والأغرب نشطت دبلجة الأعمال الهندية بشكل سخيف فالصورة من قارة أخرى والدبلجة بلهجة خليجية، والنتيجة كيف يمكن لهذا المشاهد المعني بالأمر أن يتخيل المشهد ويتقبله، أهو استهتار به! استهزاء بالذائقة العربية! هل يا ترى هناك أسباب لم أكتشفها أو ثقافة أراد لنا المسوق أن نحيط بها من باب اطلاع ثقافي (لست أدري)!
عندما أجلس بالساعات لأشاهد فيلما أجنبيا فإنني ألج لثقافتهم ونمط عيشهم وأتعرف لطرق فكرهم وأهم المشكلات الاجتماعية الموجودة في مجتمعهم، إلى القضاء، وطرق مواجهتهم المشاكل، وإلى الشباب وكيفية تعامل المجتمع معهم، والطفل وحقوقه، الفيلم يكون عبارة عن وجبة شهية ومفيدة لحدث وحبكة وقصة وسيناريو جيد وإخراج مميز يأخذك لأجواء الفيلم وممثلين مختارين بعناية لتناسب الأدوار شخوصهم، بل تكاد من جودة الفيلم أن تعرف مصدره ومخرجه . بينما ما نشاهد اليوم من أفلام عربية كلها تبدأ بك بدايات متعثرة وتقودك لنهايات عقيمة ولا شيء يمكن أن تخرج به من القصة، وأحيانا تتفاجأ بأنك من أول الفيلم لآخره ربما تحبس بين جدران البار وبين فتية (بتسكر وبتحشش) وكأن هذا هو الحال العربي وليس مجرد واقع للبعض القليل.
(The last time) , ) ( The bodyguard) ,(eat pray love) والفيلم الأخير من الرواية الأكثر مبيعا في العالم لإليزابيث جيلبرت (طعام صلاة حب) لعل هذه من الأفلام ذات الدلالات والتي تنتهي منها وقد رقيت بذائقتك وحسك وولجت لثقافة الشعوب الأخرى وحقيقة مجتمعاتهم.
المشاهد اليوم مشاهد واعي يختار ما يشاهده، والخيارات كثيرة والفضاء يعج بالغثيان والسمين، ولعل ما تمر به شعوبنا العربي جدير أن تتناوله الأقلام الأدبية المحللة الواعية ، والدراما خير ما يتناول الأحداث.
(Paradise Now) من الأفلام التي حازت على جوائز عالمية للمخرج هاني أبو أسعد الذي حملته قضيته إلى العالمية من خلال طرحها بشكل معتدل، وتنديد فيلمه بالشباب الذين يغرر بهم في عمليات انتحارية ، لم يقدر العالم إلا أن يصفق لهذا الفكر وهذا الإبداع ، وأنا شخصيا استمتعت بمشاهدة الفيلم وهو إضافة لكل من لم يعرف عن القضية الفلسطينية. ننتظر صحوة والتفاتا للأدب ، على الأقل دخول عالمه من خلال الدراما المترجمة عن روايات تستحق المشاهدة .
من أول البحر
عندما أعتقد أني نهلت حبك حد الارتواء
سأعود لأوقن أني عطشت حد الموت شوقا