قال لي بأنه يقتربُ من الستين، ولا أعرف لماذا شعرتُ بنبرةِ حزنٍ فيما قاله. ربما أنا الذي اختلقتُ هذه النبرةِ التي لم تكنْ هناكَ أصلاً، وإنما كانت هنا، تحوم حول منضدتي.
زحفتْ أصابعي إلى الأحرف التي كانت تنتظرني، فوجدتها تنتقل من حرف إلى حرف، لتكتب له نبرته ونبرتي:
صديقي
أنت لا تقتربُ من الستين،
أنت تقتربُ من امتزاجِ النارِ برقصةِ الطائرِ المهاجر،
من عناقِ الدمعة لرحيقِ الأغاني،
من شهوةِ المسافة لبيارق القصيدة،
تقترب من مرآةٍ تتثاءبُ أمامَ أناشيدِها،
ثم تتهيأ للصحوِ، مفعمةً بالقناديل.
أنت تقتربُ من اسمرارِ القلبِ الذي لفحتْهُ شموسُ الشواطئ،
من دوزناتِ العشب الذي كان ينادمُ الخطى،
من العذوبةِ التي تهدهدُ الينابيع كي تغني للأقحوان،
من الظلِّ الذي ظلَّ يسألُ:
- إلى أين نحن ذاهبان؟!
أنتَ لا تقتربُ من الستين،
أنتَ تبتعدُ عن الشبابيكِ التي خانتِ الضوءَ،
عن الرمالِ التي فارقتْها تقاسيمُ الخزامى،
عن الجيادِ التي أفشتْ أسرارَ مضاميرها،
والعصافيرِ وهي تحنثُ وعودَ أجنحتِها،
عن الهمسِ الذي جَسَّ حُمَّاكَ،
وألقاكَ طريحَ العناوينِ التائهة.
أنت لا تقتربُ من الستينِ يا صديقي،
أنتَ تبتعدُ لها.