في إحصائية مصدرها الهيئات الإحصائية في دول مجلس التعاون، تصدرت المملكة دول الخليج العربي في معدل التضخم العام خلال العام المنصرم 2013 بمتوسط بلغ 3.5 تلتها البحرين، ثم قطر والكويت وعمان، وأخيراً الإمارات. ولعل اللافت في الأرقام الإحصائية أن المملكة سجلت أعلى معدلات التضخم من بين دول مجلس التعاون في مجموعة الأطعمة والمشروبات، وبفارق كبير عن المركز الثاني، حيث ارتفع معدل تضخم أسعار الأطعمة والمشروبات في المملكة، بنسبة 5.8 في عام 2013 مقارنة بعام 2012م.
وبعيداً عن المجموعات الأخرى، كالسكن وتوابعه، وتصاعدها بشكل منتظم منذ سنوات، وهو أمر يعرفه الجميع دون الحاجة إلى إحصائيات، تبقى الأطعمة والمشروبات هي ما لا يمكن تحمل تصاعد معدلاتها بشكل مستمر، خاصة في مقابل ثبات دخل المواطن، وعدم تغير مرتبات الموظفين، خاصة موظفي الدولة، فمع ازدياد معدلاتها التضخم، وثبات دخول المواطنين، يتحول كثير من أفراد الطبقات الوسطى إلى طبقة فقيرة، تلامس خط الفقر، أو تنخفض دونه، وهو أمر مضر للاستقرار على المدى البعيد، فكما نعرف أن اتساع رقعة الطبقة الوسطى، في أي مجتمع، هي صمام الأمان بالنسبة له.
ما الذي يمكن القيام به في هذه الظروف؟ لا يوجد سوى أمران مهمان، يجب العمل بهما معاً، للحفاظ على الطبقة الوسطى في المجتمع السعودي، وضبط صمام أمانه خلال عقود قادمة، هذان الأمران هما فرض رقابة صارمة على أسعار المواد الغذائية، وفرض عقوبات على التجار المتلاعبين بالأسعار، وذلك عن طريق وزارة التجارة، بالتعاون مع كافة الجهات الرقابية والأمنية التي تفرض الرقابة والعقوبة معاً على هؤلاء العابثين، والأمر الآخر هو زيادة مرتبات موظفي الدولة، ولو بنسب تدريجية، وعلى مدى سنوات طويلة، فالعمل على هذين الجانبين معاً، وفي وقت واحد، هو ما يضمن انخفاض معدل التضخم إلى مستويات مقبولة، لأن هذا المعدل لم يكن ليزداد لولا فوضى الأسعار، وجشع التجار، وتجار التجزئة، من جهة، وانخفاض دخل المواطن، وتضاءل القيمة الشرائية له.
صحيح أن وزارة التجارة قامت بحملات جيدة وجادة، لم تكن موجودة من قبل، وصحيح أنها جعلت المواطن شريكا لها في الرقابة على الأسعار، وجعلت بلاغه عن حالات الغش في الأسعار موضع اهتمام من قبلها، وتفاعل سريع، وصحيح أنها وضعت أنظمة مهمة للرقابة، كوجوب وضع التسعيرة على أي سلعة، والسلع التي لا تحمل سعراً يعد صاحبها مخالفاً للأنظمة واللوائح المطبقة، لكن الأمر ما زال يحتاج المزيد من الرقابة، والمزيد من المراقبين الوطنيين النزيهين، الذين تهمهم مصلحة وطنهم، ومواطنيهم.
من يقرأ مثل هذه الإحصائيات من المواطنين، إما أن يشعر بالإحباط، ويبدأ بجلد ذاته، ومؤسسات الدولة، أو أن يكذّب مثل هذه الإحصائيات ويقلل من قيمتها، بل ويعتبرها مدسوسة ومقصودة، حتى لو كانت من جهات محايدة، أو أن يقلب الصفحة بآهة، وهو يقول للخبر: طيب؟ وش نقول يعني؟ مبروك المركز الأول؟
في كل الحالات يجب أن نمتلك وعياً، وشعوراً بالمسؤولية، ونناقش بحياد وحرص على مصلحة وطننا، حتى نرتقي به، ومعه.