ليس أجمل من أن تقرأ قصيدة جميلة عذبة مدهشة، رائعة الفكرة، غنية الصور، سلسة العبارة، حسنة الطرح، متسلسلة الأبيات، تنتهي منها - وإن طالت أبياتها - وأنت في حالة عطش؛ تتمنى لو أن شاعرها زادك من مطرها، وأحياناً تتحقق لك تلك الأمنية، وتجد قصيدة هاربة من رتابة المطروح وكثرة المكتوب بضجر من يريد أن ينجز قصيدة لو سلم منها لسلمت ذائقتنا من تجرُّع ما لا يستساغ.
كثيراً ما أعجب بشاعر يستطيع أن يجمع بين الجمال واكتمال الفكرة والوزن والإدهاش والروعة ولا يفعل، فالمتنبي يقول:
ولم أر في عيوب الناس عيباً
كنقص القادرين على التمامِ
فكثير من النصوص لرموز مهمة في الشعر يكسر البيت ويزيد فيه لخدمة الفكرة، لكنني لا أجد لهم عذراً في ذلك؛ فالروعة الحقيقية أن تنتصر على عجزك، وتحقق الجمال والوزن والفكرة الجديدة.
أنا هنا لا أطالب الشاعر بأن يفكر أثناء تدفق الشعر وتداعيه، والخروج من نصف الوعي إلى الوعي الكامل؛ حتى لا تدخل القصيدة خانة الصنعة والافتعال، إنما أريد أن يبذل الشاعر ما يستطيع أو يتجاوزه بعد فراغه من كتابتها نهائياً، ويعدل ما يرى أنه بحاجة إلى تعديل، والاستسلام لمطلب الجمال وإن كان من ورائه التعب والعناء؛ فالشعر الجميل يستحق ذلك.