بعد أيام سوف تنطلق فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة (29) الذي يترقبه أبناء هذا الوطن بكل لهفة وشوق وأصبح له الكثير من المتابعين من داخل المملكة وخارجها ويعتبر بإجماع المهمتين بالتراث في الوطن العربي أنه المهرجان الوحيد الذي أصل التراث في قنواته السوية لأنه ينظر إلى التراث من خلال البيئات التي تعاقبت وعاش الأجداد والآباء بها مرتبطين بأساس ومكونات هذا التراث الذي يرسم الأجواء الملائمة للتكيف مع الحياة للعظة والاعتبار قال الله تعالي {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ} صدق الله العظيم.
فمن هنا تأتي قيمة التراث وأهميته في حياة الأمة، فالمملكة العربية السعودية من خلال هذا المهرجان تستشعر الهدف من إقامته وفق منظومة متكاملة غير متناقضة ركزت على مكتسبات دينية وتاريخيه وجغرافية وسياسية وثقافية وتربوية وزراعية وتقليدية والتي جعلت رواد هذا المهرجان يسوقهم الحنين إلى الاعتزاز بهذا التراث الذي تغنى به الشعراء كثيراً حيث قال شوقي:
(الله أكبركم في الفتح من عجب
باخالد الترك جدد خالد العرب)
وقال ايضاً:
يا نائح الطلح أشباه عوادينا
نشجى لواديك أم نأس لوادينا
وقال المتنبى:
ألا لا أرى الأحداث حمداً ولا ذما
فما بطشها جهلاً ولا كفها حلماً
فلهذا رحلة البحث عن التراث ضرورية لأبناء هذه الأمة ليكون لهم سداً منيعاً يحافظ على هويتهم وأصالتهم في عصر عولمة اخترقت فيه الحدود والتراث حياة أقوام يظهر أفكارهم وعقيدتهم وممارساتهم لحياتهم ورؤاهم وإنجازاتهم وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم، وهذا ما نشاهده في فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي عكس صفحات مشرقة لواقع الترابط الاجتماعي بأفراحه وأحزانه وعكست قدرات مجتمعنا على بناء حياته وفق حاجاته وتطلعاته وقدراته على تصدية لأعدائه وتغلبه على صعوبات الحصول على رزقة وعيشه، فالحضارة التي نعيشها اليوم بأيجابياتها وسلبياتها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون سبباً في الابتعاد عن تراثنا بل هي السبب في التمسك فيه والاعتزاز به فالمهرجان الوطني للتراث والثقافة لم يترك لا شاردة ولا واردة ترتبط بالتراث إلا وأحياها وجعلها واقعاً ملموساً تمارس معظمها من خلال الإنسان وكأنها في العصر الذي عاشت فيه.. فعلى سبيل المثال طريقة التعليم (الكتاتيب - المطوع) ترسم صورها حية على زوار المهرجان، الذين يندهشون من الأساليب المتبعة في التعليم التقليدي والتي فيها عنصر الجدية والحزم والانضباط ومقولة (لكم اللحم ولنا العظم) لم تكن سلبيه في ذلك الوقت أيضاً حرفة الزراعة التي تعتبر من مصادر الرزق الأساسية التي عاشها الآباء والأجداد يشاهدها زوار المهرجان تمارس من قبل جيل أدرك هذه المهنة الشاقة باستخراج الماء من خلال (الإبل) والطرق الأخرى مثل الدلو وغيرها لسقيا مزارعهم، أيضاً الحرف اليدوية التي تعتبر من مغريات الزوار لهذا المهرجان لأنهم يشاهدون بقايا ذلك الجيل وهم يتفنون بصناعتها ويبيعونها عليهم أيضاً هناك فعاليات كثيرة ومتنوعة ومن بينها العرضة السعودية والأهازيج والعرضات الأخرى التي تعكس الموروث الشعبي لكافة مناطق المملكة وقبل هذا وذاك المحاضرات والندوات التي تقام ضمن فعاليات المهرجان والتي تستقطب بعض المفكرين والمثقفين من داخل المملكة وخارجها والذين يتم دعوتهم من المسؤولين عن المهرجان لا ستغلاله في نشر الوعي الثقافي والحوار بين الحضارات الذي بدأ من هذه البلاد المباركة من خلال نبي هذه الأمة الذي أرسى الحوار الحقيقي المعانق للفطرة البشرية فمن هذا المنبر أوجه تحيه تقدير واعتزاز لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- صاحب فكره هذا المهرجان وداعمه الأول أيضاً احترام وتقدير الشيفين لمعالي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري -رحمه الله- الذي كان عند حسن ظن خادم الحرمين الشريفين في ترجمة تطلعاته وأمانيه.. كذلك الشكر أيضاً لصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير وزارة الحرس الوطني الذي عاصر ودعم المهرجان في بداية انطلاقته ولايزال يدعمه بكل قوة وإخلاص كذلك لنائبه معالي الأستاذ عبدالمحسن بن عبدالعزيز التويجري الذي وجد فيه صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله ضالته في الارتقاء بهذا المهرجان وتطويره إلى الأمام؛ أيضاً أوجه الشكر إلى اللجان العاملة في المهرجان بالإضافة إلى أبناء هذا الوطن الذين أخذوا من وقتهم وأتوا من مناطق المملكة المختلفة للمشاركة في إحياء هذا التراث الخالد.
والله من وراء القصد،،،