«تبرعوا تؤجروا»، هذه العبارة تأتي على وزن «انشروا تؤجروا»، «انتخبوا تؤجروا»، وغيرها من العبارات البراقة التي تربط أي فعل بعاطفة الإنسان الدينية المتعطشة للأجر والثواب من رب العباد.
كل إنسان لا شك ينشد الأجر لكنه يريد على الأقل أن يرى أثر عمله، وأن تصل تبرعاته لمستحقيها عبر أقصر الطرق، وأهم من ذلك أن تسهم تلك التبرعات في رفع ضائقة، ومعالجة آثار كوارث أو أزمات، ومساعدة فقراء أو محتاجين أو منكوبين لا أن تتحول إلى حسابات بنكية لا نعلم عنها شيئا، أو لجيوب متكسبين ومتاجرين، أو لجماعات إرهابية ذات أهداف معادية للوطن.
«انشروا تؤجروا» عبارة متداولة حاليا في كل وسائل التواصل تقريبا، تصافحنا رغما عنا عبر الرسائل المبثوثة من مصادر لا نعلم عن نواياهم، وبالذات تلك الرسائل الناقلة للشائعات عبر الوسائط، وتعرض بشخصيات محددة أو توجه اتهامات هدفها التحريض وإثارة الفتن، هذه الرسائل لقيت استهجان كثير من العلماء بوصفها رسائل تسطح العقول وتمرر مضامينها السيئة للبسطاء والعامة.
من هذه الرسائل نصيات تحث على المبادرة للتبرع وأن شخصا يجمع التبرعات كي يذهب بها للمجاهدين بنفسه، وتلقى مثل هذه الدعوات إقبالا من أناس يجهلون تماما الغايات والمرامي التي يسعى لها جامعو التبرعات!
مع كل نازلة تحل ببلد مسلم يخرج علينا من يدعو الناس للتبرع بما تجود به أنفسهم تحت عنوان الشعار الأزلي «تبرعوا تؤجروا»، هؤلاء ليست لهم أي صفات رسمية، بعضهم يستفيد من شعبيته بين الأتباع ليجمع عن طريقها المال والتبرعات العينية مباشرة بحجة أنه سيوصلها للمجاهدين بنفسه، لكن لا أحد يعلم عن مصير ما يجمع ولا في أي محفظة سيوضع، وأكثر ما يخشاه العقلاء والحريصون على الصالح العام أن تصل تلك التبرعات لكل المحافظ إلا محافظ المحتاجين!
الدين الإسلامي يندب إلى تقديم العون والمساعدة لمن هو بأمس الحاجة لها، لكن ليس على الإطلاق إذ لا بد أن يتحرى المتبرع إذا كان لا يستطيع إيصال ما يجود به بنفسه، والتحري يوجب التأكد من تلك الجهات، وهل هي مرخصة من الدولة أم أن من يديرها مجرد أشخاص يتكسبون من وراء تلك الحملات المشبوهة.
أمضينا زمنا ندفع التبرعات عند أبواب المساجد وفي أيام الجمع تحت التهليل والتكبير والدعوات دون أن ندري إلى أين تذهب تلك الأموال وفي أي أكياس توضع، وإلى أي مكان تحرك بوصلتها.
كانت تجمع تحت اسم تبرعات للمجاهدين من أيام جهيمان ومرورا بأيام الجهاد الأفغاني، والشيشان والبوسنة والهرسك إلى هذه الأيام استغلالا لما يحدث في سوريا.
وكانت أيضا حملات تتحرك في جانب آخر لجمع تبرعات بحجة بناء مساجد، أو كفالة أيتام أو حفر آبار، والناس يندفعون دون أدنى تفكير.
أي حملات لا تنطلق تحت مظلة رسمية يجب ألا يلتفت لها من قبل المواطنين، وعلى الدولة سن نظام يجرم مثل هذه الأعمال كونها تنظم خارج الإطار القانوني ويضع من يقوم بها تحت طائلة العقاب، فالدولة تنظم مثل هذه الحملات لا الأفراد، وآخر هذه الحملات التي انطلقت مساء الثلاثاء الماضي بأمر من خادم الحرمين الشريفين حملة التضامن مع الأطفال السوريين.