يتخوف العديد من الأوكرانيين من أن يورط الغرب بلادهم مثلما ورط السوريين..!!
أمريكا والأوروبيون والغرب عموماً نثروا الوعود للسوريين ووعدوهم بالوقوف معهم لإزاحة نظام دكتاتوري مستبد، وعندما واجه السوريون نظام بشار الأسد في البداية بالمظاهرات السلمية، وسيروا المظاهرات والاحتجاجات قابلها النظام بالبطش والقمع وإطلاق الرصاص على المتظاهرين السلميين، فحتى الأطفال لم يسلموا من إجرام النظام، حيث سحب أطفال المدارس من صفوف فصولهم، وبعد سجنهم جرى قلع أظافرهم.
وعندها ترك الجنود معسكراتهم ووحداتهم العسكرية في أكبر عملية انشقاق يتعرض لها جيش في المنطقة، ليشكلوا جيشاً وطنياً للدفاع عن الشعب، وقتها كان المنتظر أن تبادر أمريكا والدول الغربية إلى دعم هذا الجيش الثائر المدافع عن كرامة وسلامة الشعب السوري، إلا أن الوعود الغربية ظلت تتواصل دون أن يُنفذ منها شيء سوى تصريحات لم تنفع الشعب السوري في شيء سوى جعل حلفاء نظام بشار الأسد إلى مضاعفة مساعداتهم العسكرية والمادية والسياسية نكاية بالغربيين، وهو ما نراه الآن في الأزمة الأوكرانية التي وإن تشابهت في بداياتها وأسباب اندلاعها بالثورة السورية، فالرئيس الأوكراني الهارب والنظام الذي كان يدير به أوكرانيا نظام فاسد يعتمد القمع والتسلط واضطهاد المواطنين، وثورة الشعب الأوكراني كانت محقة فضلاً عنها أنها كانت متوقعة منذ وقت طويل بعد انهيار الاقتصاد وتقليص الحريات. وقد تَشجَّع الشعب الأوكراني بالدعوات الأوروبية والغربية للتمرد على النظام الموالي لروسيا الذي ساعد على اندلاع الاضطرابات ونزول عدد كبير من المواطنين إلى ميدان التحرير في كييف، إذ إن المناطق الشمالية الغربية التي تحدها بولندا وألمانيا كانت فقيرة نسبياً وأقل نمواً من المناطق الجنوبية الغربية المحادة لروسيا، كما أن هناك تبايناً مذهبياً بين المنطقتين، فالمناطق الشمالية تدين بالمذهب الكاثوليكي مثل الشعب البولندي، أما أهل الجنوب الذين يتحدثون الروسية فهم يعتنقون المذهب الأرثوذكسي، وهو ما عمّق الخلافات، إذ كان أهل الشمال يتوقعون أن تفتح دول الاتحاد الأوروبي أذرعتها إليهم وتعوضهم الحرمان الذي تفاقم عليهم منذ دولة الاتحاد السوفيتي إلى دولة أوكرانيا الموحدة..!!
لكن الوعود والأحلام شيء والواقع شيء آخر، إذ إن روسيا لا يمكن أن تترك أوكرانيا التي تعتبرها حديقتها الخلفية وعمقها الإستراتيجي، فقواعدها في جزيرة القرم تمثل قوةً لا يمكن أن تفقدها حتى وإن اضطرت إلى دخول مواجهة حربية مع الغرب، ولهذا فإن الرئيس الروسي بوتين عَجَّل في اتخاذ إجراءات ذات طابع هجومي وتحدٍ عندما أرسل طلائع قواته إلى جزيرة القرم وأعلن التأهب العسكري الذي ينبئ بأنه لا يمكن أن يفرط بقواعده، وهو ما سيحرج الغرب وأمريكا التي لا تريد أن تتورط في أوكرانيا عسكرياً ولا اقتصادياً في دولة تعاني من عجز ضخم يصل إلى 58 مليار دولار.