الإشاعة هي باختصار أخبار مختلقة أو مبالغ فيها لا يُعلم مصدرها غالباً، وتنتشر في المجتمع بسرعة غريبة وبطريقة عجيبة، ويتم تداولها والتعامل معها من قبل الشرائح المختلفة خاصة لدى العامة والدهماء على أنها أمر متيقن لا شك فيه، وهي تاريخياً وسيلة من الوسائل التي قد توظف من قبل أطراف الصراع حين الحروب أو الخلافات التي تنشب سواء بين الدول والممالك أو القبائل والجماعات أو التيارات والمذاهب الأيديولوجية العقدية أو حتى الأفراد، وتهدف في الغالب إلى زعزعة الثقة في الذات الفردية والجماعية، وتحطيم الرموز والقادة في النفوس، ورفع سقف المطالب الشعبية أمام متخذ القرار، وبث الرعب والخوف لدى العامة، والإشعار بالعجز في مقابل قوة العدو أياً كان هذا العدو... وقد فعلت -الشائعات - فعلها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف بهذا الزمن الذي ضعف فيه الإيمان، وقل التوكل، وكثر سوء الظن، وغلب الهوى، وقل الناصر، وتعدد الأعداء وربما من داخل الصف، وسهُل التواصل، وعظُم الخطر، وتحدث الرويبضة في أمور الناس الهامة !!؟، ولذلك بصدق فقد سرني ما اطلعت عليه صبيحة كتابة هذا المقال من وجود حساب في تويتر تحت اسم «هيئة مكافحة الإشاعات»، يتولى القائمون عليه تكذيب ما يتداول الناس في مواقع التواصل الاجتماعي سواء طبياً أو أمنياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو فكرياً أو عسكرياً أو ... ولكن جزماً لا يستطيع فرد أو حتى مجموعة أفراد القيام بهذا العمل المضني والذي يحتاج إلى دعم مادي ومعنوي ما لم يتوافر لهم مقومات النجاح وضمانات الاستمرار كتعداد التخصصات، وسهولة الحصول على المعلومة الصحيحة من مصدرها وبأقصر وقت ممكن، والقدرة على التواصل مع المسئول أياً كان في كل وقت وحين، وامتلاك مهارة الصياغة العقلية المقنعة والمبنية على الحجة والدليل، والانتشار في جميع مناطق المملكة، وعدم أخذهم الصبغة الرسمية التي قد تلزمهم الخضوع للبيروقراطية الإدارية المقيتة والتي عششت في مؤسسة الدولة المختلفة وللأسف الشديد، إذ من الأفضل في نظري أن تكون هذه الهيئة من مؤسسات المجتمع المدني فالثقة فيها من قبل المتلقي ستكون أقوى، والحيادية وعدم الانحياز عندها مرتفعة، أو أن تنبري «نزاهة» «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» لهذا الأمر وتتولى بتر هذا اللون من ألوان الفساد الذي يفعل فعله في مجتمعنا المحلي وللأسف الشديد.
قد يقلل البعض من أهمية وجود مثل هذه الجمعية أو الهيئة ظناً منه أن الشائعات غالباً ما تتكسر حين تصطدم بالحقائق وتنزل إلى أرض الواقع، وجزماً ستموت في مهدها قبل أن تتشربها النفوس، وهذا غير صحيح إذ أن التاريخ يبرهن على خطورتها وقدرتها على اختراق العقول والتأثير عليها، بل يشير القرآن الكريم في ثنايا قصة الإفك عن خير القرون بقوله: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ}، مع أننا جميعاً نعرف أن التلقي في الأصل بالأذن ومنها يمر على القلب فيُعمل الإنسان فيه عقله ثم يتفوه به، إذا غلب على ظنه المصلحة في التحدث به.. وهذا يعني أن الإشاعات تخرج من اللسان للسان مباشرة دون إعمال الفكر فيها ووضعها في مشرحة الأقوال مع أخذ جميع الملبسات والمعطيات الشخصية والظرفية في الحسبان!!.
إنني أذكر أهل العقول المبصرة والنفوس التواقة لحماية الثغور وحفظ الحصون بخطورة الكلمة في شق الصف وإفساد الود وأهيب بهم أن يعززوا وجود هذه الهيئة في «تويتر» و»الفيس بوك» ومواقع الانترنت المختلفة خاصة في ظل عجز كثير من القطاعات التنموية والخدمية الحكومية والأهلية والخاصة في المتابعة والنفي بأسلوب مقنع ومنهج حكيم، حتى لا يكون المواطن ضحية القيل والقال.. يُرك لوحده في عالم مفتوح يجتهد هو بنفسه في سبر ما يقال بحثاً عن الحقيقية في وسط الركام فهو مهما كانت قناعاته ومهما قوي ولاؤه وثقته بولاة أمرنا ولم يساوره خوف أو وجل إزاء مستقبل حياته أقول مهما كان ذلك منه فهو جزماً مع كثرة ما يقال وتعدد مصادره وقوة سبكه و... قد يتأثر فيها وتهزُ شيئاً مما عنده من يقين صار في حكم المسلم به يوماً ما.. شكراً لكل من اجتهد في بيان الحق والذود عن الديار، وتقبلوا جميعاً صادق الود والسلام.