في مقال الثلاثاء أشرت ببرقيات عاجلة إلى أهم ما قيل في مهرجان التراث والثقافة حول مصطلح «الإسلام السياسي»، مركزاً بشكل مباشر على موقف أبرز الحركات المنسوبة له من مفهوم «المواطنة»، ذلك المصطلح الغربي الوافد والمتداول في ساحتنا العربية.. وفي مقال اليوم أورد شيئاً مما جاء على لسان بعض فرسان ندوات الموضوع الأساس لجنادرية 29 «حركات الإسلام السياسي ومفهوم المواطنة»، مؤكداً في ذات الوقت على ما سبق وأن أشرت إليه هنا من أنّ فيما قيل مسائل ما زالت - في نظري - تحتاج إلى بحث ودراسة علمية متخصصة، وهو ما أحاول جاهداً أن أعكف عليه في قام الأيام بإذن الله:
* إنّ السلفية منهج.. ولذا ليس هناك جماعة متحزبة، ولا تيار معروف، ولا حركة بعينها، ولا تكتل سياسي، ولا مذهب فكري ولا... يمكن أن يقال عنه إنه يمثل السلفية دون غيره.
* إنّ المراد بالسلف هو : جموع السلف دون آحادهم، وليس كل من خالف منهج السلفية يجب أن يكون هالكاً.
* إنّ فكرة السلفية وسيلة لضبط التنازع التأويلي فيما يُختلف فيه.
* إنّ منهج السلف الذي لا يتقيّد بزمان ولا ينحصر في مكان ليس مسئولاً عن أخطاء بعض المنتسبين إليه، وإنما تنسب الأقوال والأفعال والتصرفات إلى أصحابها وجماعاتها لا إلى المنهج.
* إنّ السلفية الصحيحة التي تنتهجها المملكة العربية السعودية سلفية منفتحة منضبطة، تدعو إلى النماء والحضارة وتحقيق مصالح الأمة، دون المساس بالثوابت والخروج عن الأسس الصحيحة.
* إنّ الرؤية الغربية للإسلام عموماً ولحركات الإسلام السياسي على وجه الخصوص، يمكن القول بأنها على مستويات ثلاث : الرؤية الفكرية المتجرّدة، الرؤية الأيديولوجية المتشدّدة، والرؤية البراجماتية الموظّفة.
* إنّ المواطنة الحقيقية ليست نسبة إلى «التراب»، بل هي نسبة إلى «الفعل والانفعال بمنظومة قانونية تحكم المجموعة التي ينتمي إليها المواطنون، وتؤدي لهم وتستخلص منهم الحقوق والواجبات المترتبة لهم ولها».
* إنّ العولمة من خلال ما تطرحه من أجندة مغايرة لما استقر في الأذهان، جعلت الولاءات تنازعها دوائر جديدة جراء الحصول على جنسيتين لشخص واحد، وقل مثل ذلك عن الاحتكام إلى قانونين عالمية ووطنية في ذات الوقت، فالشراكات عابرة القارات، وفتح قنوات التواصل بين بلادنا العالم جعلتنا أمام مشهد جديد يختلف عمّا كان معروفاً من سيادة مطلقة للدولة الوطنية داخل حدودها المعروفة، ولذا فـ»المواطنة العالمية»، تطرح نفسها وبقوة في عالمنا الجديد، سواء من خلال منظومة القيم أو عن طريق سن قوانين وتشريعات لا عهد لنا بها ولا صلة لها بمرجعيتنا الإسلامية الصحيحة !، والواجب.. الوعي العربي والإسلامي بمتطلّبات هذا الوافد الذي توفر له من الوسائل التقنية ما سهل عليه الوصول إلى جميع شرائح المجتمع، وأثر على بوصلة الولاءات بشكل قد لا نعرف عمق جرحه الغائر في أجساد أولادنا إلا بعد أن ينزف الدم لا سمح الله.
* إنّ الربيع العربي مصطلح مخادع أطلقته الإدارة الأمريكية، تأسياً بمصطلح نعت به الغرب الأحداث التي جرت في أوروبا الشرقية بالعشرية الأخيرة من القرن العشرين المنصرم.
* إنّ الثورات العربية هي نتاج تأزم الوضع العام في الداخل، فـ» البو عزيزي» حين أضرم النار في نفسه لم يكن بباله المصالح الأمريكية ولم يكن يهدف لإسقاط الرئيس، بل كان يطالب بالحياة الكريمة والعيش الحلال، ومن هذه الشرارة كان صوت الشارع التونسي ومن بعده المصري والليبي و...» الشعب يريد إسقاط النظام «، ولكن بلا شك أنّ الإدارة الأمريكية أرادت بعد ذلك الدخول على الخط وتوظيف هذا الحدث لتحقيق مصالحها في المنطقة، خاصة بعد أن علمت أنّ هؤلاء «الثوار» إنْ صحّ نعتهم بهذا الاسم، ليس لهم قيادة ولا يملكون مشروعاً تغييرياً يعبّر عن مصالحهم ويخطط لمستقبلهم.
* إنّ حركات الإسلام السياسي لم تكن شريكاً بإعلان الثورة في أيامها الأولى، ولكنها أرادات أن تحصد الثمرة وتنقضّ على التركة، فهذه فرصتها للوصول إلى كرسي الحكم الذي غازلته منذ سنوات طويلة.
* إنّ منطقة الخليج هي الهدف القريب في مخطط التغير العالمي، والمملكة العربية السعودية مرشحة وبقوة لإدارة الصراع وتوجيه بوصلته في قادم الأيام، وربما وُظفت حركات الإسلام السياسي في تنفيذ أجندة وافدة يراد منها إعادة تشكيل المنطقة وتغيير الحدود وتبدل الرايات لا سمح الله!.
هذا شيء مما قيل، البعض منه كان أُحادياً لم يقل به إلا متحدث أو مداخل، والغالبية مما حررتُ كان متواتراً قال به اثنان أو أكثر ومن دول عربية مختلفة،، ويبقى الأهم.. ترى ما هو واجبنا الديني والوطني ونحن نمر بهذا المنعطف التاريخي الصعب، ونرى بأعيننا جميع تفاصيل الوجع العربي الغائر والنازف والمتأزم، هل سنقف مكتوفي الأيدي حتى نصير يوماً ما وجهاً لوجه في معترك التغير ؟!.
أسأل الله عزّ وجلّ أن يحفظ بلادنا ويعلي رايتنا ويديم أمننا ويبقي ولاة أمرنا ويقينا شر من به شر، دمتم بخير والسلام.