يبدو أنّ الولايات المتحدة الأمريكية - في سعيها الحثيث نحو الإستيلاء على العالم بطرق مختلفة! - لم تجد حتى الآن الجواب الإسرائيلي الذي يجعلها تحرّك آلتها العسكرية الطاحنة بشكل يحوّل (التهديد) الذي يعتبر في القانون الدولي شبه جريمة إن لم يكن الجريمة الكاملة كما يقول المفكر الأمريكي (ناعوم تشومسكي) عن الحرب الاستباقية. تحدث رئيس إيران الجديد (روحاني) عن رغبة بلاده في سلام إنساني كامل...
...ففي ذات الوقت اقتربت أمريكا من (إيران) التي كانت الضلع الثاني في محور الشر. ودعا الدول التي اتخذت من إيران (عدوّا) أن تعيد النظر في أن بلاده تمتلك (الثقافة) التي تنبذ العنف وتدعو للقربى وأن مرجعيتها السياسية مسبقا هي الإسلام. ويبدو أن ثمة رسالة من أوباما إلى القادة الإسرائيليين تبطن رغبة أمريكا في عدم تحويل منطقة الشرق الأوسط المفعمة بالنفط والثروات الطبيعية إلى منطقة من النار. وإلى شبيه لأفغانستان المنقسمة بين حكومة خلقتها أمريكا وبين (جهاديين) لا يريدون الثقافة المسيحية و لا يؤمنون بقضية الخلاف بين الإسلامويين في هل إن أمريكا تتوسع من أجل هدفين رئيسيين وهما رفع العلم الأمريكي على كل أرض ومن جهة أخرى استبدال شعار المساجد بشعار الصليب الذي لا يلقى قبولا حتى من المسيحيين العرب. ولو تأملنا مسألة الصراع بين إيران و أمريكا لوجدناها - ثقافية - من الدرجة الأولى حيث تنظر أمريكا إلى الإسلام من رؤية مناهضة لقيام دول إسلامية تكون قضيتها المركزية (محو) إسرائيل من الخارطة كما صرّح ذات مرة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. وقضية فلسطين لم تعد تحمل الحق الفلسطيني المغتصب بل قضية شعوب أخرى مهددة بالغزو. والعراق - الآن - خير مثال على أن تطبيق نظرية الديموقراطية نظريا هو أسهل بكثير من تطبيقها على أرض الواقع. فالإرث السياسي والثقافي العراقي لا يزال يرى أن وصول الشعب العراقي للعالم هو عمل إبداعي خلاق. وهو ما لن يتحقق في ظل انقسام ديني وثقافي واجتماعي. إن الحديث عن العراق يجرنا إلى مسألة غاية في الأهمية وفي منتهى الخطورة وهي تأسيس حزب البعث العراقي رسميا في ظل الدستور الديموقراطي العراقي الذي يسمح بتأسيس الأحزاب السياسية و يسمح بالتالي للمواطنين بإعادة النظر للقضية المركزية للعراق و هي تحرير فلسطين و السعي لتكوين وحدة قومية صلبة خارطتها ضخمة وثقافتها ذات محتوى وحدوي على أساس العروبة.
ولو نظرنا إلى إسرائيل لوجدنا أصعب قضية إنسانية و أخلاقية تجري في عالم يسير لهدم الجدران المشابهة لجدار برلين. فقد تمّ - تاريخيا - تكوين دولة إسرائيل سياسيا بسبب موقف الغرب المتعصب تجاه قضايا العرب. ولذلك فإن إسرائيل عضو في هيئة الأمم المتحدة مما يعني أن الحلم باستعادة فلسطين هو أصعب الأحلام و هو لغز لن يتمّ حله الآن و لا في مئة سنة قادمة. و إن تكن جرت عمليات (طرد) للقضية الأولى والأخيرة للفلسطينيين مثل إشتراك حكومة حماس في الأحداث الدينية أيام انفجار الوضع المصري والذي قيّض الله له القائد الفريق أول عبدالفتاح السيسي الذي يبدو إنتماؤه الثقافي عربيا و تبدو نظرته للعالم منسجمة مع الأطياف العروبية. إن إشتراك حماس في المذابح التي جرت بين مؤيدي الرئيس المخلوع و مؤيدي التغيير هو عمل سياسي سلبي جدا حيث يمكن للأمم المتحدة إدراج حماس ضمن قائمة المنظمات الإرهابية مما يعني إبعادها عن الصراع السياسي الدائر في فلسطين بين (الطوباويين) والمعتدلين العاملين في السياسة الدولية والذين يحرصون على عدم اتخاذ العنف سبيلا للتحرير. ولست هنا أعزّي القوميين العرب. فقد تقبلوا التعازي مبكرا. لأن إقامة دولة على أسس ثقافية هو ما لن توافق أميركا و هي (عرّاب) العالم و ملهمته عليه كونه سينطوي حتما على إعادة النظر في مسألة الدين. و الدين يحمل رؤى ثقافية مختلفة عما تحمله رؤى الليبراليين و اليساريين و الماركسيين. لذا فإنه لا ينبغي إقحام الدين في الصراع السياسي. باعتبار أنه مسألة محسومة. وبالنظر إلى كون الدّين قناعة شخصية أو بالمعنى الأصح أمرا يعني ما هو أهم من السياسة و باعتبار الشعوب تمتلك حريتها الدينية ولا يهدف النظام العالمي نحو الدين أهدافا مشبوهة.
لذا ينظر العالم للغة الدبلوماسية بين إيران وأمريكا على أنها لغة من نوع تأجيل الصراع أو حتى المشاركة في تأجيجه حتى يتبين للشعوب الجواب عن السؤال المهم (هل تعمل أمريكا من أجل إسرائيل كل هذا؟ و.. لماذا؟). إن أميركا تنظر للصراعات الدينية وكأنها قَدَرٌ محتوم و لا تشجع على إخماد الطائفية كون الأخيرة لم تزل تتحكم بمسار الأحداث وهو أمر يتعذر نفيه بالنظر إلى إجماع العالم الدولي على قبول برنامج دولة إسرائيل التي هي دولة دينية محضة ووحدها من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من يحق لها الاعتراض على أي قرار يتناقض مع الحلم الصهيوني الذي بدأ يتحقق.
إن (تديين) السياسة هو خطوة لجعل الأمم تعود إلى الماضي الذي بما أنه ذو طابع ديني فالمساس به هو خروج عن أهداف المنظمة الدولية!