أعلنت المملكة رسمياً أنها اعتبرت (جماعة الإخوان المسلمين) ومعها عدد من المنظمات المتأسلمة الأخرى جماعات (إرهابية)، وجرمت الانتماء إليها؛ فانضمت بذلك إلى مصر في تجريم هذه الجماعة. ولم يسبق في تاريخ هذه الجماعة أن تم تجريم هذه الحركة من أكبر دولتين عربيتين على الإطلاق، ليصبح بذلك الانتماء إلى هذه الجماعة عملاً مدانا من حيث البدء؛ يضع المنتمين إليها تحت طائلة القانون. وليس لدي أدنى شك أن هذا سيؤثر على الجماعة تأثيراً عميقاً، ويُقيد قدرتها على (الحركة) واستقطاب الكوادر، ناهيك عن قدرتها على تحويل التمويلات إلى كوادرها الحاليين المنتشرين في أكثر من 80 دولة عربية وغير عربية. خاصة وأن مثل هذا التصنيف سيشجع دولاً أخرى تعاني من ممارسات الإخوان السياسية على التعامل معهم مثل ما تعاملت معهم السعودية ومصر، كما أن قراراً كهذا القرار سيساهم مساهمة كبيرة في عزل الجماعة على مستوى العالم لما للمملكة من نفوذ وتأثير فعلي فى المنطقة العربية وكذلك في العالم على المستوى الديني والاقتصادي. وقد كانت المملكة ودول الخليج قد آوت عدداً من رموز جماعة الإخوان المسلمين وكوادرها بعد صدامهم مع «عبدالناصر» في مصر في نهاية الخمسينات من القرن المنصرم، وكذلك بعد صدامهم في سوريا مع الرئيس السوري السابق «حافظ الأسد» الذي أصدر قانوناً يقضي بإعدام كل من يثبت تورطه بالانتماء لجماعة الإخوان. إضافة إلى أن توقيت هذا التصنيف الذي جاء قُبيل زيارة الرئيس الأمريكي «أوباما» للمملكة يحمل إيماءة هامة ذات وزن ومضمون. وهذا ما أشار إليه وزير خارجية مصر الأسبق السفير «محمد العرابي» الذي قال إن توقيت القرار في هذا التاريخ: (يحمل رسالة واضحة للولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم هذه الجماعات لتحقيق مصالحها الخاصة فى المنطقة). وما من شك أن سلوك جماعة الإخوان في مصر، واتخاذها الإرهاب منهجاً تواجه به إقصاءها من حكم مصر، قد أضر بسمعة الجماعة، وأظهرها كحركة تؤمن بالعنف والتغيير بالقوة، ولعل هذه النقطة بالذات كانت بمثابة (القشة) التي قصمت ظهر البعير الإخواني، والمنزلق الذي انزلقت فيه قياداتها وسيكون له بلا أدنى شك انعكاسات خطيرة ليس فقط على الجماعة الأم في مصر، وإنما على كل التنظيمات الأخرى التي تنتمي لفكر الجماعة إقليمياً وعالمياً؛ وعلى رأس هذه الحركات (حركة حماس) في غزة.
وكان الأمير نايف بن عبدالعزيز - رحمه الله - وزير الداخلية السعودي الأسبق هو أول من ربط بين جماعة الإخوان المسلمين والإرهاب. وكرر مقولته ذلك في عدة لقاءات صحفية أجريت حينها مع سموه، لتأتي الأيام وتثبت أن ما استنتجه - رحمه الله - كان صحيحاً ودقيقاً. وقد صرح «الدكتور سعد الدين إبراهيم» مدير (مركز بن خلدون للدراسات الإنمائية) تعليقاً على اعتبار الجماعة في المملكة منظمة إرهابية بالقول: (السعودية في الماضي أعطت الإخوان الكثير ودعمتهم، ولكنها جماعة لا تعترف بالجميل وقضمت اليد التي أطعمتها مما جعل السعودية تدرك أنها جماعة لا أمان لها ولابد من القضاء عليها. وتابع: (السعودية أفاقت من كبوتها والموقف الذي اتخذته الدول العربية والاتحاد الأوروبي دليل على أنهم أصبحوا يعرفون حقيقة الإخوان الآن، وأستطيع أن أجزم أن الولايات المتحدة ستتخذ موقفا مشابها من الإخوان هي الأخرى قريبا جدا). ولو صحّت توقعات «سعد الدين إبراهيم» واتخذت الولايات المتحدة الأمريكية موقفاً مشابها لموقف المملكة ومصر فهذا يعني أن الجماعة انتقلت فعلاً كحركة سياسية إلى التاريخ.
وإلى اللقاء.