المعركة ضد العنصرية هي معركة طويلة الأمد، قد تقصر مدتها أو يُقلّص انتشارها القوانين والأنظمة المساندة، وهذا ما حدث فعلاً على المستوى المحلي بصدور أول حكم قبل أيام، في محكمة مكة المكرمة يقضي بمعاقبة مواطن بمائة جلدة وتغريمه مبلغ 100 ألف ريال، بعد ثبوت تورّطه بنعت شخص بألفاظ عنصرية عبر رسائل الجوال، هذا الحكم في نظري بمثابة تأسيس قاعدة قانونية تُجرّم العنصرية، وتجعل العنصريين يفكرون ألف مرة قبل ممارسة هذه الجريمة. أضف إلى هذا، أتمنى أن يكون حكم التجريم الصادر عن محكمة مكة المكرمة هو إيقاف لقضايا «عدم تكافؤ النسب» التي صارت تتفاقم بشكل غريب في محاكمنا، وأن زيادة عددها يعود إلى تفاعل - بعض- القضاة معها وإصدارهم لأحكام (تفريق) ما أحدث صدمة في الأوساط السعودية، لأن مثل هذه الأحكام لا تتفق لا مع المبادئ الدينية التي قامت على المساواة والتفضيل بالتقوى، ولا المبادئ الأخلاقية التي تمنع خراب البيوت وتشتت الأسر، وهذه الأحكام أعادتنا إلى سنوات بعيدة عندما تم في ألمانيا التشديد على عدم الزواج من غير العرق الآري، لكن هذا الأمر انتهى في ألمانيا بفعل الأنظمة والقوانين المدنيّة، وإن كانت العنصرية ما زالت متفشيّة عند الألمان، إلا أنها تظهر على خجل ولدى حالات شاذة بسبب التجريم القانوني لهذه السلوكيات.
العنصرية لها أشكال كثيرة، فعلى المستوى المحلي هي لا تقتصر على الشكل القبلي أو المناطقي، بل كذلك هناك التمييز ضد المرأة والذي أعتبره أحد أشكال العنصرية، وهذا وحده أمر طاغٍ اجتماعيًا وتم تكريسه في - بعض- القوانين التي تُمارس هذا التمييز بشكل واضح، وأعتقد أن إيقاف الفعل العنصري يجب أن يكون من خلال منظومة متكاملة تشمل كل أشكاله، ولا يقتصر على الشكل أو اللون أو القبيلة.
من هنا، أؤكد على أن المعركة ضد العنصرية طويلة الأمد، وستظل العنصرية باقية في نفوس كثيرين، لكن لا يهمني عشعشتها في جماجم - بعض- العقول بقدر ما يهمني أن تبقى داخلهم ولا تفوح رائحتها لتشتيت هذا المجتمع وتفتيت لحمته وعزل فئة من أبنائه بحجة اللون أو الجنس أو القبيلة، وإن كنا جادين في محاربة هذا السلوك، فلنبدأ من بطاقة الأحوال الشخصية، وإزالة اسم القبيلة منها لأن حمل الجنسية السعودية وحده هو ما يجعلنا سواسية بلا مسميات تزيد في العمق والامتداد القبلي والذي يحمل أوجهاً إيجابية في بعض الأحيان، ويحمل أوجهاً سلبية في أغلب الأحيان! لا يفوتني كذلك في ذات السياق، أن أقترح على قارئاتي العزيزات وقرائي الكرام مشاهدة فيلم: «كبير الخدم» الذي يعتبر بمثابة سيرة ذاتية تتمحور حول معركة طويلة قام بها نشطاء لمحاربة سياسة التمييز العنصري ضد السود، من خلال سيرة كبير الخدم وهو أمريكي أسود عمل في البيت الأبيض لأكثر من ثلاثين عامًا، عايش خلالها سبعة رؤساء، ويجسد هذه الشخصية الفنان (فورست ويلكر) في ملحمة درامية تاريخية فيها من التفاصيل الدقيقة ما يستحق المتابعة، وما يؤكد على أن كارثة العنصرية في مجتمعنا هي أقل بكثير مما كان يعيشه المجتمع الأمريكي، مع ذلك وصل إلى ما وصل إليه اليوم بعد أن رافقت القوانين الأنشطة الحقوقية، وتمكن المجتمع الأمريكي من العيش في هذا الخليط العرقي دون تمييز ظاهري، وإن كان الباطن يعج لديهم بالعنصرية إلا أن من يتجرأ على إظهارها سيكون القانون له بالمرصاد!