لم تكن خطوة سحب السفراء السعودي والإماراتي والبحريني من قطر أمراً مفاجئاً لكثير من المتابعين، الذين يدركون شأن البيت الخليجي، خاصة بعد ثلاثين عاماً من الأحلام، في مجلس التعاون الخليجي، لكن المفاجأة هي هذا التحول، وهذه الهجمة الشرسة في إعلام الضدين، سواء في صحافة هذه البلدان أو غيرها.
صحيح أن ثمة قراراً سياسياً تمت دراسته، والتمهل فيه طويلاً، لكن من يدرك دهاليز السياسة وتحولاتها يجزم بأن الخلافات يمكن حلها في وهلة، ومن هو عدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، والعكس صحيح، بالنسبة لجميع الدول التي ظلت علاقاتنا بها متوترة على مدى عقود من الزمن، فكيف الأمر مع دولة شقيقة كقطر، التي نشترك معها في علاقات تاريخية ومصيرية مشتركة، فضلاً عن الشعب الواحد في مختلف دول الخليج العربي.
ما يقلق المتابع لهذا الاختلاف ولهذه المواقف التي تحمل من العتب الأخوي الكثير أن يتم تصعيدها إعلامياً، وكأننا ندير هذه اللعبة، بوعي أو بغير وعي، لصالح دول تنتظر بشغف هذا الانقسام في دول المجلس الخليجي، بل إنها تذكي هذه النار بشكل مدروس ومنظم.
وبعيداً عن هذا التصعيد الإعلامي في الوسائل المرئية، في القنوات الفضائية، فإن ثمة كتَّاباً لهم مكانتهم وقيمتهم في الصحف الورقية، ولديهم متابعون كُثر في وسائل التواصل الاجتماعي، انطلقوا على غير هدى، يهاجمون ويشتمون بشكل ممنهج، ولا يبقون أحداً لا تناله سهامهم، حتى أن هذه الشتائم تصل إلى أطراف ليس لهم علاقة بالأمر، كعائلة طرف أو أطفالهم، رغم ألا علاقة لهؤلاء بالشأن السياسي وبما يحدث من علاقات دولية أو قطيعة بين دول الجوار.
ويزداد الأمر سوءاً حينما يبادر أحد الكتّاب إلى السخرية من شعب البلد الآخر، رغم أن هؤلاء ليس لهم من الأمر شيء! وقد يتجاهل هؤلاء الكتّاب أن هذين المجتمعين، بل المجتمعات السعودية والإماراتية والبحرينية والقطرية، هي مجتمع واحد، توحده عقيدة وعادات وتقاليد وقبائل واحدة، وعلاقات نسب ومصاهرة بينها، ليس من السهل نسفها بواسطة قرار سياسي، حتى لو كان سحب سفراء، كسلوك حضاري يعبِّر عن احتجاج سياسي بين الدول.
لا شك أن الشتائم وتبادل الاتهامات بواسطة كتّاب وصحفيين لا تجدي ولا تفيد في هذه الأزمة، بل تزيد من أمر الخلاف بين هذه البلدان الخليجية، خاصة في هذه الظروف المتوترة في المنطقة، وهذا النزاع الذي يحيط بنا في مختلف الدول العربية، وحتى غير العربية.
نحن بحاجة كبيرة إلى لمّ الشمل، وترتيب البيت الخليجي من الداخل، وتوحيد جهوده وقراراته بشأن القضايا العربية والإقليمية المحيطة، لمنح هذا البيت أو المجلس قوة أكبر من ذي قبل، بدلاً من هذا العناد في اتخاذ قرارات، واتخاذ سياسات خارجية عكسية للمجموعة في كل ملف سياسي جديد.
علينا أن نتمهل كثيراً في التناول الإعلامي لهذه الأزمة، ونترك الفرصة للمساعي الدبلوماسية المبذولة هنا وهناك، دون أن نفتت العلاقات الحميمة بين أهل الخليج وسكانه وبين القطريين؛ لأن مثل هذه الأزمات يمكن حلها، عاجلاً أو آجلاً، بالتحاور والتفاهم، والتنازل أيضاً.