تأملوا أخبار حوادث الطرق ودققوا محتواها المرعب الذي لا يكتفي بالمفرد من الضحايا، ومع تطور صحافتنا ونجاحها الإلكتروني في تتبع الاحداث يمكنك أن تتلقى أخبار هذه الحوادث بمدار الساعة لاسيما المنقولة من مناطق ريفية زراعية لا يملك العابرون خلالها سوى طرق اشبه بالبدائية الضيّقة، والعابرون (غالباً) هم اللاهثون في طلب رزقهم ممن لا يدرك أغلبهم خطورة الطريق، ولا يتوفر عندهم الوعي والثقافة اللازمة لسلامة السير ونظم العبور والتجاوز والوقوف والانعطاف، استحضروا جملة من تلك الحوادث وحللوها في أذهانكم فرغم عدم تخصصنا في هذا الأمر إلا أن المتابع ليدرك أن ثمة أسباباً رئيسة وراء زيادة حجم وفظاعة الحوادث المرورية بتلك الأنحاء والمناطق الريفية، وهذا يقودنا بالتالي إلى أن الوضع بحاجة ماسة عاجلة لحلول تخفف وتقلل من الحوادث والفواجع التي رمّلت ويتّمت الكثير من الأسر في تلك البقاع وزادت معاناتهم وأثقلت أنفسهم بالهموم التي لا تجلب في النهاية إلا مزيداً من المشكلات الأسرية الاجتماعية، هؤلاء الضحايا هم من الكادحين في الحقول والمراعي، هم مواطنون يستحقون طريقاً إسفلتياً مزدوج المسارات سهل العبور يخفف من معاناتهم ويسهل تنقلاتهم مع منتجاتهم وأسرهم ونقل أطفالهم لمدارسهم، فيحق لهم ما يحق لغيرهم من الطرق والمراكز الخدمية الأخرى.
خلال الأسبوع الماضي حدثت عدة حوادث مفزعة ومرعبة ومنها ما هو عجيب لو حدث في بلاد أخرى لغطته الصحافة والتلفزة بالصور والتقارير المكثفة، تلك الحوادث تحتاج (في نظري) إلى فريق عمل متخصص من عدة جهات لتحليلها ومعرفة أبعادها ومسبباتها ومن ثم نتائجها وأضرارها وما يمكن اقتراحه من حلول تمنع امثالها وتخفف من انعكاساتها وآثارها وخسائرها الهائلة، سوف اُذَكّّركم بأمثلة وردت عبر الصحافة لن نتخيل حجم أهوالها إلاّ فيما لو كنا قريبين منها بصورة أو وضع ما، فقد باشرت الجهات المختصة مساء الجمعة 14 مارس حادثاً مرورياً مروعاً على طريق (الدلم-الخرج) بمنطقة الرياض، وأسفر عن وفاة عائلة مكونة من 9 أشخاص (قائد السيارة و أربع نساء وطفلين وطفلتَين) كانوا يستقلون سيارة من طراز هايلوكس، وفوجئ قائدها بشاحنة محملة بصخرة تعترض الطريق؛ فاصطدمت سيارتهم بالشاحنة وسقطت عليها الصخرة، وقبل هذا الحادث تُوفي خمسة أشخاص في حادث سير مأساوي وقع بطريق المحاني عشيرة شمال محافظة الطائف، بين مركبة تستقلها عائلة سعودية مكونة من قائدها مع زوجته واثنين من أطفاله، وأخرى يقودها وافد أفغاني كان يسير باتجاه خاطئ؛ إذ اصطدمتا وجهاً لوجه، وأكد الحادث مرة أخرى مدى خطورة طريق (المحاني- عشيرة) الذي يُعاني من الضيق باعتباره طريقاً زراعياً ويفتقر لشروط السلامة، وقصة الشركة الناقلة لجسم الطائرة المجزأة من منطقة المدينة المنورة إلى عسير على متن عدد من الشاحنات، وما أحدثه من إرباك للحركة المرورية والاحتكاك بالسيارات وقطع التيار الكهربائي في أحد المواقع، فيلاحظ من الأمثلة السابقة ان الوعي بالمخاطر غائب أمام المصلحة الشخصية فالنّاقلَون للصخرة والطائرة لا يملكان الوعي بالسبل المثلى لعملهما، والمؤسسات لا زالت تستخدم سائقين غير مؤهلين، دخلوا البلاد كعمال حرفيين لا علاقة لهم بقيادة الشاحنات، ولم يعرفوا قيادة السيارة إلا بعد قدومهم، وبذلك تستمر الفواجع.