كان عنوان قصيدتي الأخيرة، المنشورة في عدد الأسبوع الماضي من الثقافية (لا نفس لي) واقعياً، فحتى معرض الرياض الدولي للكتاب الذي كان على مدى عشرة أيام ملتقى لكل الأصدقاء من المؤلفين والقراء لم أزره إلا مرة واحدة سريعة لم تزد على نصف ساعة سلّمتُ خلالها على بعض الأصدقاء بشكل خاطف، واشتريتُ من جناح دارة الملك عبد العزيز نسخة من (قاموس الأدب والأدباء في المملكة العربية السعودية) الذي توقفتُ عنده بمقالة كان عنوانها (قاموس الأدب والأدباء: هل لي أن أقول أهلاً ومهلاً؟!) منشورة في الجزيرة الثقافية بتاريخ 5 يناير 2009 حين كان القاموس في مرحلة إعداده الأولى..
كانت مقالتي تلك ردة فعل طبيعية تجاه ما سمعته من المشرف على اللجنة العلمية للقاموس د. محمد بن عبد الرحمن الربيِّع في ندوة أقامها النادي الأدبي بالرياض للتعريف بالقاموس المزمع إعداده قبل سنوات، إذ قال الدكتور الربيع وقتها كلاماً عن طريقة إعداد وتحرير القاموس لم أستطع تقبله ورأيتُ فيه من الأخطاء والتجاوزات غير الضرورية بل والمتجنية على الأدب والأدباء في حال تنفيذها ما دفعني لكتابة تلك المقالة. غير أني الآن، حين صدر القاموس في مجلداته الثلاثة، واقتنيتها وتصفحتها كلها، أجدني ملزماً أن أقدم التحية للجنة القاموس؛ فقد ظهر بالشكل والمضمون اللذين طالبتُ أن يظهر بهما، فكان على مستوى التطلعات المرجوة. ومن غير المهم أن يشار في القاموس إلى الأخذ بمقالتي تلك أو لا يشار، طالما أن الهدف قد تحقق في هذا القاموس الذي يستحق التحية والاقتناء.
التحية أيضاً أقدمها، بتقدير وإعجاب، إلى كتاب آخر وقع في يدي مؤخراً عنوانه (لغة الشعر السعودي الحديث – دراسة تحليلية نقدية لظواهرها الفنية) هو بالأصل دراسة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه من إحدى الجامعات السعودية، أنجزتها د. هدى بنت صالح الفايز وطبعها النادي الأدبي بالرياض عام 2011، وقد كانت بمثابة المفاجأة السارة لي أن أرى رسالة دكتوراه سعودية تتناول الشعر السعودي وتخلو من أخطاء نقله!
نعم والله، وبالأخص الدراسات الأكاديمية التي تقدم وتناقش وتحصل على أعلى الدرجات العلمية في جامعاتنا السعودية، فهي على كثرتها لم أرَ أياً منها إلا وأصابني الضجر والإحباط من كثرة أخطائها في نقل الشعر من مصادره؛ عدا هذه الدراسة التي اتخذت موضوعاً محدداً والتزمت بالموضوعية على أعلى مستوى من الإتقان..
تقول د. هدى الفايز في مقدمة دراستها: (لا بد من الإشارة إلى أني اعتمدتُ على النصوص الشعرية المنشورة ضمن مجموعات شعرية (دواوين) مطبوعة دون الاعتماد على النصوص الشعرية المنشورة في الصحف والمجلات بحثاً عن النصوص الصحيحة وتحرياً للدقة؛ فالنصوص في الدواوين هي الشكل النهائي الذي ارتضاه الشاعر؛ وهذا لأن أي خطأ مطبعي حتى لو كان صغيراً يؤثر كثيراً في لغة القصيدة، وقد يؤدي إلى خطأ فادح في تحليلها، ومع هذا لم أسلم من التوجس والخوف من وجود بعض الأخطاء المطبعية التي قد تؤثر في صحة التحليل ومصداقيته، وقد قمتُ بنقل النصوص الشعرية كما هي؛ ملتزمة بطريقة صفها وشكلها الكتابي الذي وردت به، وبالتشكيل المثبت في مصادرها).
وبعد.. فمن هذه الأمانة العلمية، وهذه المسؤولية الأدبية، وهذا الوعي النقدي، تشكّلت مواد هذا الكتاب الذي يستحق عن جدارة كل التقدير والتحية.