مثلما للنساء كيد يفوق دهاء الرجال للدول - وبخاصة الكبرى - كيد يفوق إمكانات بعض الدول، وبخاصة الدول النامية التي تتضرر كثيراً من صدامات الدول الكبرى فيما بينها.
أمريكا وروسيا وفي طريقهما إلى أجواء الحرب الباردة. بدأ العالم يشعر بالمكايد التي تضعها كل دولة أمام الأخرى، وآخرها قيام الولايات المتحدة الأمريكية باللجوء إلى ما يسميه الاقتصاديون بـ(الإغراق). فالأمريكيون، ولكي يؤثروا في أسعار البترول التي أنعشت الاقتصاد الروسي، قاموا بضخ خمسة ملايين برميل من النفط يومياً من أجل أن يؤدي هذا الإجراء إلى خفض أسعار البترول للضغط على الموازنة الروسية التي حتماً ستتأثر إذا ما استمر الإجراء الأمريكي، الذي سيؤدي إلى خفض أسعار البترول؛ وبالتالي حصول روسيا والدول المصدرة للبترول على عائدات أقل بكثير مما كانت تحصل عليه قبل الإجراء الأمريكي؛ وبالتالي سيؤثر ذلك في أرقام ميزانيات تلك الدول التي لا تقتصر على روسيا وحسب؛ فهناك دول مصدرة للبترول تعتمد اعتماداً كلياً على صادرات البترول، وأي خفض في أسعاره سيؤثر في اقتصادها؛ وتتلقى عقاباً هي غير مسؤولة عنه؛ كون المناكفة بين واشنطن وموسكو. كما أن كثيراً من الدول المصدرة للبترول - وبخاصة المملكة والإمارات - تخصص مساعدات مالية كبيرة للدول النامية والمحتاجة، تصل إلى مليارات الدولارات من الفائض الذي يتحقق نتيجة بيع البترول بأسعار معقولة، لا تضر المستورِد ولا المصدِّر. وهذه الدول المانحة للمساعدات عندما تتقلص أسعار البترول نتيجة التدخل (السياسي) الأمريكي بسبب الخلافات مع روسيا لا بد أن توقف مساعداتها المالية للدول النامية التي ستتضرر كثيراً، وتصبح طرفاً في معركة لا ناقة لها بها ولا جمل. والأسلوب الأمريكي هذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تعارضه كثيراً؛ إذ كانت تقول في اجتماعات منظمة التجارة الدولية إنه يجب أن يكون هناك توازنٌ بين العرض والطلب على جميع السلع، والطاقة أهم سلعة في هذا العصر؛ لا يجب التلاعب بها باستعمال طرق الإغراق أو التجفيف؛ إذ كلاهما لا يساعد المنتِج ولا المستهلِك؛ ويجب إبعاد (المناكفات السياسية) عن التعاملات التجارية بين الدول، التي تتضرر منها الدول الصغرى، فيما لا تؤثر ذلك التأثير القوي في الدول الكبرى.