لمحتُ الدمعةَ تصارع خديه، وترامي إلى سمعي همسَهُ لنفسِه:
- عطني أمك، أدفّها بقلبي.
كنا في صالة الانتظار في المستشفى، وكان المراجعون والمراجعات يذرعون الممرات جيئةً وذهاباً. وكانت أجساد المسنين والمسنات تغوص في الكراسي المتحركة التي يدفعها أبناؤهم أو بناتهم أو العاملون لديهم.
مرَّ أمامنا رجلٌ منهمكٌ في أجواء هاتفه المحمول، إلى جانبه عاملة منزلية شرق أوسطية، تدفع كرسياً متحركاً تجلس عليه امرأةٌ هدّها المرض، فانحنت إلى جانبها الأيمن، فصارت العاملة تتوقف بين كل برهة واخرى، لتعدّل ظهرها ورقبتها، والرجل الذي يبدو أنه ابنها، لم يزل طيلة الوقت منهمكاً في شاشة هاتفه.
واسيته، والدمعة قد فرّتْ هذه المرة من عينيه:
- رحم الله والدتك.
- آمين. والله وأنا أخوك إن كل أبواب السعادة والراحة النفسية والطمأنينة، انصكّتْ يوم ماتت أمي. كنت أتنفس الهواء عنها، ولا أرضى أحد يمد لها فنجان.
- هناك مَنْ لا يدرك كم في خدمة والديه من بهجة داخلية. وكم من آفاق بيضاء ستغمر ليله، إذا هو قضى نهاره في خدمتهما أو خدمة أحدهما.
- علشان كذا كنت أقول لهذا الرجّال، بيني وبين نفسي، عطني أمك أدفّها بقلبي.
- يا له من محروم.
- إي والله، ياهو محروم. أقسم بالله أني أحياناً تضيق بي الدنيا، وأحس أن وجودي زي عدمه، وما ترتاح نفسي وتطيب إلا اذا تواسيت قدام تراب قبرها، وصرت أدعي لها.