تتجه معظم الدول والشعوب في منطقتنا العربية، إلى اتخاذ مواقف حازمة وحاسمة لمواجهة أخطار جسام؛ تتسبب فيها الجماعات الإرهابية (المتأسلمة)، التي تتلبس بالدين الإسلامي ظلماً وعدواناً، وتجعل من دعواها نصرة الدين والدفاع عنه؛ مادة لخطابها الدعائي السمج، الذي تدغدغ به العواطف الدينية عند بسطاء الناس، وغطاءً يبرر ما تمارسه من قتل وتخريب وتدمير في بلدانها وخارج بلدانها.
- مؤسف للغاية؛ أن نعيش في مرحلة نرى فيها الدماء تسفك باسم الدين، والأعراض تنتهك باسم الدين، والمتاجر تسرق وتنهب باسم الدين، والطرق تقطع باسم الدين، والدور تهدم على أصحابها باسم الدين، والمستشفيات تفجر ويقتل مرضاها باسم الدين، والشيوخ والنساء والأطفال يجوعون ويشردون ويهجرون باسم الدين.. أي دين هذا الذي يدعيه هؤلاء القتلة الفجرة في هذا الزمان..؟!
- موقف المملكة العربية السعودية الصريح الواضح الشجاع؛ الذي أعلنته مؤخراً من تجريم منظمات وأحزاب ضالعة في المشروع الإرهابي منذ عقود مضت، مثل: (جماعة الإخوان المسلمين، ومنظمة القاعدة، وحزب الله السعودي، وجماعة النصرة، وجماعة داعش)، هو موقف حكومي وشعبي مؤسس لمواقف أخرى قادمة؛ لدول عربية في المنطقة عانت من الإرهاب الذي أضر بالعرب والمسلمين، وفرّق كلمتهم، وشتّت شملهم، وأطمع الأعداء فيهم، وأصبح أداة طيعة تمولها وتديرها أطراف عربية عميلة، وأطراف أجنبية تعمل ليل نهار على تفتيت المفتت، وتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، ومن ثم التهام الكل في نهاية المطاف.
- بدايات المآسي التي نعيشها اليوم؛ جاءت في وقت مبكر من العشرينيات الميلادية للقرن الميلادي الفارط، فبعد سقوط الخلافة العثمانية- التي لم تكن شيئاً يذكر وقتها- وبعد أن تحوّلت الأقطار العربية إلى كعكة تتقاسمها بريطانيا وفرنسا، وتحت ضغوط الخوف من إزاحة الهوية الإسلامية بالكل، وطّد الشيخ الهندي (أبو الأعلى المودودي) نظرياً؛ لفكرة الخلافة الإسلامية (الأممية)، وجاء تأسيس جماعة الإخوان المسلمين سنة 1928م، في ظل هذه الظروف التي تلت سقوط الخلافة، وانبعاث خطاب مقاوم قادم من القارة الهندية، وما لبث أن تحوّل المشروع النظري للمودودي إلى مشروع حركي في صلب جماعة الإخوان، التي تعاونت في الأساس مع قوات المحور، ليقول مؤسسها (حسن البنا) سنة 1946م: (ها هو ذا الغرب؛ يظلم ويجول ويطغى ويحارب ويتخبط، فلم يبق إلا أن تمتد يد شرقية قوية يظللها لواء الله، وتخفق رأسها راية القرآن، ويمدها جند الإيمان القوي المتين، فإذا بالدنيا مسلمة هانئة)..!
- مثل هذا الخطاب المحرّض؛ كان وما زال يستهوي مخيلة المعادين للغرب، رغم ضبابية العلاقة بين الجماعة والغرب حتى اليوم، وهو موغل في السطحية، ويجسد ذلك الوهم الكبير الذي ولد في رحم جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها. حلم الأممية والخلافة التي تلغي الدولة القُطرية في البلاد العربية والإسلامية، وجاء (سيد قطب)، تلميذ المودودي في فكرة تأسيس حلم أو وهم الخلافة، لينفخ في جسد الوهم بتجهيل وتكفير الحكام العرب والشعوب العربية، ووجوب التطهير من هذا الدنس، وعرفنا كيف تبنت جماعة الإخوان هذه الحركية في العمل الذي تعدى الخطوط الفكرية المؤسس عليها؛ إلى خطوط سياسية وقتالية كذلك، فعمدت الجماعة إلى إرهاب الحكم المصري، ومحاولة تطويع الشعب المصري بالقوة، من خلال الاغتيالات والقتل والتخريب، حتى أوقف جمال عبد الناصر هذا العبث بقوة العسكر، لكن الجماعة عادت مع السادات إلى سابق عهدها، وتسبب تساهل السادات في قتله هو على أيديها سنة 1981م، وكاد حسني مبارك يقتل في أديس أبابا بالطريقة نفسها سنة 1995م، وتقدمت مع ثورة يناير لتخطف وتقطف الثمرة بشتّى أنواع الحيل والتدليس، حتى أصبحت الهيمنة بيدها، فتبدأ في إبراز وجهها القبيح تجاه شعب مصر والعرب، وعندما لم يستتب لها الحكم كما تريد، أخذت تشعل الحرائق وتدمر الكل.. (هي ومن بعدها الطوفان)..!
- ثمانية عقود مرت؛ وجماعة الإخوان المسلمين تتمدّد مثل السرطان الخبيث في جسد الأمة العربية والإسلامية، تستحلب الأموال باسم الخيرية، وتستميل الرجال، وتقفز إلى مراكز القرار، وتطوع التعليم والإعلام لصالح منهجها في الوصول إلى الحاكمية التي تريد بشتّى الطرق. استخدمت العنف داخل مصر وخارج مصر، وذراعها العسكرية التي كشفت عوارها في أقل من عقدين؛ هي منظمة القاعدة الإرهابية، التي ما تركت بلداً إلا عاثت فيه فساداً ودماراً.
- نحن ولا شكّ في منطقتنا العربية؛ نمر بمرحلة (الإفاقة من وهم الخلافة)، ولا بد أن الواعين بمخاطر هذا الوهم الكبير، الذي كلفنا الكثير والكثير؛ وكان له تبعاته المدمرة، التي نشأت في عقود مضت في أحضان جماعة الإخوان المسلمين؛ وأصبحت تسير بين الناس على فوهات المدافع والرشاشات، وتقتل البشر، وتدمر كل يابس وأخضر؛ لا بد أن يتخذوا موقفاً مضاداً من هذا العبث الذي تمارسه هذه الجماعة الإرهابية، وتمارسه ذراعها القاعدة، وتمارسه داعش والنصرة وحزب الشيطان السعودي، والجماعة الحوثية العميلة في اليمن.. إن هذا العبث بمصائر شعوبنا وأمتنا لن يوقف؛ إلا بقوة الإيمان ببطلانه.
- من لم يعادِ الإرهاب وجماعات الإرهاب هذه؛ فإنه مشكوك في ولائه الوطني.