«ما الداعي للاكتراث؟»
إنّه سؤال شائع أسمعه من أصحاب المشاريع، وأصحاب رؤوس الأموال المجازفة، وقادة الشركات الذين يعتمدون عقلية ساخرة.
أي بمعنى آخر، ما الداعي للاكتراث ومحاولة الابتكار، إن لم تنجح الشركات الكبرى، بغضّ النظر عمّا تفعله، في الإبقاء على الصدارة المستدامة على صعيد المنافسة، وإن كانت مدّة بقائها تتراجع باستمرار؟ أليس من الأفضل تعجيل وتيرة التدمير الخلاّق الذي وصفه جوزيف شومبيتر، وتحويل وجهة رأس المال والوظائف من الديناصورات البائدة العديمة الكفاءة إلى الشركات الناشئة الأكثر نشاطاً وحيويةً؟
جوابي على ذلك هو لا، وذلك لثلاثة أسباب:
-التوقيت يعتري أهمية: ثمة فارق بين الإقرار بحصول تحوّل لا مفرّ منه والاستعداد له بذكاء، وبين التخلّص من شركة لا تزال في طور الازدهار قبل الأوان. ومن المعلوم أنّ التدمير الخلاّق ينطوي على تكاليف تعاملات، إذ يؤدّي إلى خسارة الناس لوظائفهم، وإلى معاناة المدن المرتهنة على رب عمل كبير، وإلى تقويض الدراية وغيرها من الأصول التي تم تطويرها على مر السنين. وقد أفاد شومبيتر بنفسه قائلاً إنّ التدمير الخلاّق، الذي اعتبره «الواقع الجوهري للرأسمالية»، قد يؤدي إلى زوال الرأسمالية، بسبب ردّ فعل سلبيّ ضدّ الفوضى التي يحفّزها.
-عالم الشركات الناشئة يسلط الضوء على نطاق ضيّق: تميل الشركات الحديثة العهد إلى التكتّل ضمن قطاعات يحبّذها أصحاب رؤوس الأموال المجازفة (التكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات)، أو ضمن قطاعات تقلّ فيها عقبات الدخول نسبياً (المطاعم). وقد تجاهلت الشركات الناشئة على نطاق واسع مجالات أخرى كالتعدين، والبناء، والزراعة، وأنواع أخرى من التصنيع. وإن لم ترتق المؤسسات الكبرى بمقامها لمواجهة تحديات الابتكار في هذه الأسواق، فلن يكون هناك من يقوم بذلك.
-بعض المشاكل تكاد تكون مفصّلة على قياس العمالقة حول العالم: على سبيل المثال، ساعدتنا شركة «ميدترونيك»، منذ بضع سنوات، على صياغة ونشر نموذج أعمال يسمح باستقدام ضابطات نبض لمرضى هنديين لم يعرفوا يوماً أنهم بحاجة إلى هذه الأجهزة، أو لم يتمكّنوا من تحمّل سعره البالغ ألف دولار.
وقد اشتمل النموذج على مزيج مبتكر من التسويق المباشر، الذي يستخدم اللافتات والنشرات الإعلامية، ومن مجمّعات التشخيص، التي كان العاملون التقنيون يتفحصون فيها حشوداً من المرضى خلال فترة بعد ظهر واحدة، ومن التغييرات في شبكة الإمدادات بداعي خفض تكلفة ضابطات النبض لبعض المستشفيات المختارة، ومن أول برنامج قروض في العالم لجهاز طبي قابل للزرع. والواقع أنه ما من شركة ناشئة حول العالم – بل ما من شركة أخرى على الإطلاق حول العالم – امتلكت التكنولوجيا، والمعرفة الإقليمية، والوفرة المالية التي تسمح بإطلاق المشروع برمّته بطريقة ناجحة.
ولا شكّ في أن الشركات الكبرى تمتلك القدرة على تغيير العالم، وأعتقد أن مساعدتها على تحقيق ذلك تستحق العناء. ولهذا السبب بالتحديد أكترث.