في فيلم الماتركس أو المصفوفة - The Matrix المُنتج عام 1999، وهو اسم لنظام مُصمم من جهة مجهولة مُسيطِرة تحتوش البشر (المُغيبين) بمنظومة وهمية مُحكمة للغاية للحد الذي يجعل اختراقها أو اكتشاف ثغراتها لأجل الفرار للواقع أقرب للمُحال.
قال مورفيس (أحد الناجين من الغياب والمستبصرين بالحضور الواقعي) لنيو وهو المُختار الذي سيحرر البشرية: هل سبق لك أن كنت في حلم، يا نيو، وكنت متأكدا جدا أنه بالغ الحقيقية؟ ماذا لو كنت غير قادر على الاستيقاظ من هذا الحلم؟ كيف سيمكنك التفريق بين عالم الأحلام والعالم الحقيقي؟
إن هذا السؤال الكبير والإشكالي حائر بين عالم اليقين والشك، الُحلم والواقع والوهم والحقيقة.
لهذا يشهد تاريخ الإنسان الواحد حالات تبدل فكرية نوعية وجذرية عارمة. وفي كل مرحلة يتعصب العقل لقواعده الموافقة للمنظومة الجديدة بالإيمان والحماس ذاته.
والعقل ككل شيء في الحياة يسير نحو الارتقاء والتكامل حسب قانون الكون. يقول لالاند: «إن العقل المكون والمتغير ولو في حدود، هو العقل كما يوجد في حقبة زمنية معينة.
فإذا تحدثنا عنه بالمفرد فإنه يجب أن نفهم منه العقل كما هو في حضارتنا وفي زمننا».
أي أنه: «منظومة القواعد المقررة والمقبولة في فترة تاريخية ما، التي تُعطى من خلال تلك الفترة قيمة مطلقة».
الشاب الذي يتحزّم بالمتفجرات ويمضي للموت بوجه باسم وروح هادئة لم يكن بكل هذا الثبات لولا قوة الإيحاء التي سقّفت عقله وصدت محاولات الانعتاق والأسئلة. لأن الأيديلوجيات في جوهرها هي جرعات عالية من اليقينيات تخدر فورة السؤال ورعشة البحث.
خلال الأسبوعين الماضيين انشغل الإعلام بفئاته والرأي العام أيضا بقصة تحول المرجع الشيعي (حسب وصفه لنفسه شخصياً) حسين المؤيد من التشيع المتعصب إلى المدرسة السلفية في المذهب السني. ويكمن السر في تلك الهالة من الإثارة والضجة التي أثيرت بعد ظهوره المرئي عبر قناتي وصال والرسالة في الفارق الشاسع بين مدرسة التشيع المتعصب ومدرسة السلفية السنية.
وقدرة الاثنتين على فرض قواعدهما على العقل مما يجعل الواقع في تأثير أحدهما أبعد ما يكون عن الأخرى. فكل من يخرج من منظومة فكرية أو عقدية قوية التأثير على معتنقيها يكون بحاجة لذكاء مُغاير واستثنائي وميزان عقلي متناهي الرجحان ليقبض على الثغرة التي ينطلق منها من الركون للحركة.
يقول حسين المؤيد: (التحول العقيدي هو من أصعب حالات التبدل التي يعيشها الناس ولكنه ليس أمر مستحيل) وقال:
(إن هذا التحول الجوهري كان أقرب إلى المحال منه إلى الإمكان حسب طبيعة البيئة والأسرة التي نشأت فيها وحسب الجو الذي عشت فيه وطبيعة الفكر الذي درسته والمكانة التي وصلت إليها في الحوزة والمجتمع).
بعيداً عن أي اصطفاف ليس في محله، إن التحولات الفكرية أمر حاصل وصحي في دورة حياة العقل.
وهو أكثر ثراء من السكون والرضا بالسقف الذي نقف تحته حتى يسحبنا الموت!