** كانا أقرب إلى ساعتين جميلتين مضتا حُلُمًا طيفًا لم تعبآ بما «تنشره» الأخبار بل بما يرويه الأخيار؛ فصحبةُ علم بقامة «عميد الرحالة العرب» تختصرُ معاني العِلم يزينُه الخُلُق السمحُ والسمتُ الشخصُ والرويةُ الرؤية، وهي التي تصنعُ الفوارق داخل الرموز المعرفيةِ والمجتمعية؛ فذا يسمُق بعمله ويسمو بتعامله لتبدو سيرتُه منارًا وقربُه مسارًا وذاك يبقى كتابًا تحتويه رفوفٌ جامدةٌ تفتقدُ الحياة ولا يأبه بأكثرها الأحياء.
**كان الشيخُ العلامةُ وظلّ سحابةً مغدقةً، وكان منتدو جامعة القاهرة وثلوثية المشوح في جلساتهم الأربع - وهم نخبةٌ يندرُ اجتماعُهم- معنيين بالمنتَجِ والمنتِج؛ من دنا منه قبلًا ومن رآهُ بعدًا أو من بُعد فتصادق الخبرُ والُخُبْرُ في واقعِ عالِمٍ وعلمِِ واقع، وكنا - من شارك ببحثٍ أو ورقةٍ أو مداخلةٍ أو ملازمة-؛ حسن الهويمل ومحمد الربيِّع وعبدالله عسيلان وعبدالله الوشمي وعايض الردادي ومحمد المشوح وعبدالله الحيدري وعبداللطيف الحميد ولطيفة العدواني وباحثو الجامعات المصرية والحضورُ النخبويُّ المميز- سعيدين بالإضاءاتِ المعرفية التي خلصت إليها موضوعاتُ الندوة وإضافاتُها التي سبرت غورًا ومتحتْ من معينٍٍ، وفيها ما قرأ دلالات الجغرافيا وانعكاسات التأريخ ومعجمية اللغة وموسوعية المعلومة ودأب البحثِ وسعة الأفق وحركية الذاكرة، ومنها ما سيشغل إصدارًا قريبًا، وفي الآتي مشروعاتٌ بحثيةٌ مُشرعةٌ للمختصين.
** يوما القاهرة - برفقة شيخنا الجليل محمد بن ناصر العبودي باحثًا ومبحوثًا وإنسانًا -نأتا بنا عن رداءة الواقعِ العربي وتردياته ؛ فلم نُطلّ من نافذة شاشةٍ ونقل مراسلٍ وتحليل مؤدلج. ولم نتهْ في تفاصيل الحصار المعنويِّ والحسيِّ المصادرِ لآرائنا وإراداتنا عبر جهويةٍ وفئويةٍ وطائفيةٍ نظنها الأصل والفصل وما هي إلا حجمُ الفراغِ الممتد والتطلع المرتد الذي غيّب العلماء وصدّر المتعالمين.
** هنا يبدأُ الحلُّ حبن ينفضُّ الجيلُ عمن يشحنونه بطاقاتٍ سلبيةٍ تُخيفُه من غدِه وتشككه في منجزه وتصنعُ الكراهية بين أطيافه وتصنعُ بطولاتٍ دونكيشوتيةً لنمورٍ من ورقٍ لا ترعى إِلًّا ولا ذمةً، وحينها سبجدُ من يوجهه لصناعة المستقبل الغائب أو الغائم أو المفتقد.
** ومن تجربةٍ خاصةٍ فقد وفر له إغلاقُ بعضِ حساباته في وسائط التواصل الشبكيةِ وقتًا وجُهدًا وصحةً وراحةً وظفها لتواصلٍ أجدى مع الكِتاب والكتابة والحوار مع الكبار ورأى نفسه تغادر آسِن الماء وملوث الهواء وتنطلق في نقاء الفضاءِ «الإنسيِّ» مؤمنًا أن لكلٍ وجهةً هو موليها، وقد استقى منها فكرة بحثٍ يعمل على إنجازه وفي إحدى فرضياته تناقضُ الشخوص والنصوص وفي الأخرى تكثيف التوجيه وانحرافُ التوجه.
** الحياة تتسعُ بالكبار ورفقتِهم وللصغار لا معهم لتعلو بالترفع والتغافل، ولن يحسب في أعمارنا وأعمالنا ما نهدرُه في الركضِ اليائسِ مع مجموعة البؤساء.
** «عامان في مجلس الشيخ» كان عنوان ورقة صاحبكم لمنتدى القاهرة وهما عامان خصبان يعادلان عقودًا من متابعةِ صدىً يحسبه الافتراضيون مدى.
**ساعةٌ تعدلُ سنة.