كنت أقرأ قبل عدة أيام؛ في تاريخ وسير البعض من حكام الجزيرة العربية والخليج، والصلات القوية التي تجمع بين شعوب هذه المنطقة منذ أزمنة بعيدة، وهي في مجملها؛ صلات أنساب وأحساب، وأهل وعزوة وقرابات لا نظير لها في المنطقة ولا في سواها أبداً،
ومن هنا نشأت فكرة مجلس التعاون الخليجي، الذي جمع الدول الست الخليجية المتجانسة في كل شيء، بشراً وأرضاً، وتاريخاً، ولغة، وديناً، والمتناسقة في سياساتها ومصائرها ومصالحها ومستقبلها، وهي وإن أنشأت مجلسها التعاوني على خلفية الثورة الإيرانية في منطلق الثمانينيات من القرن الميلادي الفارط، إلا أنها كانت متعاونة من قبله في كافة الصُّعد: سياسية، واقتصادية، وثقافية، وغيرها.
- واجه مجلس التعاون الخليجي منذ ظهوره تحديات كبيرة، بدأت بالحرب بين العراق وإيران، ثم التقارب (المفتعل) بقيادة العراق؛ وبينها وبـــين مصر والأردن واليمــن؛ في ما كان يسمى: (مجلس التعاون العربي)..! والذي قام على فكرة تقويض مجلس التعاون الخليجي، ثم أفرز غزو الكويت واستهداف المملكة العربية السعودية بشكل صارخ.
- شكل مجلس التعاون الخليجي نموذجاً فريداً في القوة والتماسك والصمود أمام كافة التحديات، إلا أن ما عجزت عنه عراق صدام حسين وإيران الخميني وأحمدي نجاد من بعده، وصلت إليه جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، ونجحت فيه الجماعات الإرهابية المتفرعة عنها؛ مثل القاعدة، وحماس، والزعامات الحركية المتأخونة في الخليج نفسه، وذلك بأن تم اختراق المجلس من الجدار القطري، حتى تحولت الدوحة إلى عاصمة تفرخ وتدعم الإرهاب، وتعزز كافة المعاول التي تخرب وتهدم في بنيان مجلس التعاون الخليجي.
- لأنها قطر.. البلد العربي الإسلامي الخليجي الشقيق، فإنه يحق لنا أن نعتب، ثم نغضب، ثم نحتدّ؛ حتى يعود الشقيق إلى شقيقه، وينتفي الخطر القادم من قطر.
- لماذا لا تسحبون سفراءكم من إيران إذن..؟! هذه لغة خطاب المفتنين والفرحين والشامتين من منبر (الجزيرة)، التي تبث من قطر وليست في قطر، ونحن نقول: بأن إيران ليست شقيقة مثل قطر، وليست من أهل البيت الخليجي الواحد الذي يجمعنا في أسرة واحدة، لهذا هي لا تستحق منا عتبنا على من نحب، وغضبتنا ممن نحب، ووحدتنا مع الذي هو بعض منا.. القريب هو من يستحق العتب والغضب، لأنه قريب:
لا خاب ظني بالرفيق الموالي
مالي مشاريهٍ على نايد الناس
- قصة قرأتها تناسب حال الشقيق وشقيقه. فيها عبرة وحكمة، وإليكم تفاصيلها: (في زمن مضى؛ كان هناك أخوان شقيقان -سعد وسعيد- يعيشان بانسجام كامل في مزرعة لهما، إلى أن جاء يوم منحوس، فوقع بينهما خلاف شديد. كان الأخوان يعيشان في مكان واحد، ويعملان في حقل واحد. يزرعان ويحصدان معاً، فكل شيء مشترك بينهما، إلى أن ظهر بينهما خلاف وسوء تفاهم، وشيئاً فشيئاً، أخذت الهوة بينهما تتسع، حتى وقع بينهما شجار عنيف، أعقبه صمت وقطيعة لعدة أسابيع، وفي أحد الأيام؛ جاء شخص ثالث للشقيق الأصغر (سعيد). كان هذا الشخص؛ رجلاً معروفاً، فهو يجيد عمل كل شيء، وجاء يبحث عن عمل.. سأل الرجل: هل عندك شيء بحاجة لإصلاح..؟ أجابه سعيد: نعم. عندي عمل لك. أترى الجهة المقابلة لهذا الجدول..؟ هناك يسكن أخي (سعد) الأكبر مني. منذ عدة أسابيع؛ أهانني بطريقة جارحة، بعدها انقطعت العلاقة بيننا. أريد أن أظهر له أن باستطاعتي أن أنتقم منه..! أترى هذه الحجارة بجانب بيتي؟ أريد ان تبـــني لي حائطاً بارتفاع مترين ، لأني لا أريد رؤيته أبداً..!.
- أجابه الرجل: أعتقد أني أفهم ما تريد.
- ساعد صاحب البيت -سعيد- زائره طالب العمل، في جمع كل ما يحتاج إليه من عدة لبناء الحائط، ثم تركه وحده، وسافر في رحلة عمل لمدة أسبوع. بعد عودته من سفره؛ كان الرجل قد انتهى من عمله، ولكن..؟! يا للمفاجأة..!
- بدا سعيد متأثراً ومستغرباً جداً لما يرى أمام عينيه..! بدل الحائط الذي اراده بارتفاع مترين؛ بنى طالب العمل جسراً جميلاً..! في اللحظة ذاتها؛ يخرج شقيقه سعد من داره راكضاً نحو سعيد وهو يصرخ متعجباً: أنت فعلاً عظيم يا أخي سعيد..! تبني جسراً بيننا بعد كل الذي فعلته معك..؟! أنا فعلاً فخور بك.
- وبينما كان الأخوان يحتفلان بمصالحتهما؛ جمع الرجل كل عدته ليرحل.
لا ترحل.. صرخ الأخوان معاً. أجابهما الرجل: أرغب كثيراً في البقاء معكما، ولكن عندي جسوراً أخرى عليَّ بناؤها..!.
- من المؤكد أن جسراً من المحبة سوف يُبنى من جديد؛ بين قطر وأخواتها في مجلس التعاون الخليجي، ولكن من هو الباني الماهر الذي سوف يتولى بناء هذا الجسر الأخوي العظيم..؟.