سد الذرائع مبدأ يقصد به منع فعل أو قرار ليس لعلة فيه، ولكن لأنه قد يقود إلى أمر سلبي أو مفسدة كما هو المصطلح في الأمور الشرعية. يبدو أن الفلسفة أو الآلية الفكرية في موضوع سد الذرائع متجذرة في العقل المحلي، وهذا الموضوع يتجاوز الجوانب الدينية إلى الجوانب المتعلقة بالتطوير والتغيير الإداري في المملكة. وسأذكر هنا مثالين توضح هذا الجانب وكيف أن ثقافة التغيير أصبح يعيقها فكر سد الذرائع.
المثال الأول؛ الغالبية يتفقون على سلبيات المركزية في التنظيم الإداري السعودي. كل من طرحت عليهم الفكرة وحضرت نقاشاتهم في هذا الشأن أو قرأت لهم يعتقدون أن التوجه نحو اللامركزية أمر إيجابي ونحتاجه ليتطور أداء الجهاز الإداري، لكن ما أن تستمر قليلاً في النقاش حتى تظهر عقيدة سد الذرائع الراسخة في بعض العقول.
عندما يكون السؤال لماذا لا يكون لدى كل منطقة صلاحياتها التنفيذية وتقليص المركزية يأتي أصحاب هذا الفكر ينثرون المخاوف من المستقبل بالتحذير من بعض الأوهام التي قد لا تسنتند إلى حقائق مثل كون هذا التوجه يقود للمناطقية أو أن المناطق لا يوجد بها من هو مؤهل للجوانب القيادية المتعلقة بجهازه الإداري أو أن نظامنا المالي معقد بشكل لا يسمح بمثل هذا التوجه...إلخ. تشرح لهم بأن هذا توجه عالمي وتنفيذه ممكن وفق خطة إدارية منظمة.. تطرح لهم الأمثلة العالمية والأقليمية الناجحة في هذا الشأن.. تطرح النموذج المحلي المتمثل في أمانات المدن الكبرى المستقلة مالياً وتنفيذياً عن وزارة البلديات.. فلا يكاد أحدهم يوافق على منطقية الفكرة حتى ينكص على عاقبية زارعاً الاحتمالات السلبية المستقبلية. ليس لديهم قناعة بأدائنا في التعليم والصحة والطرق وغيرها من الخدمات في ظل المركزية، لكنهم يخافون التغيير. تصطدم لديهم فكرة التغيير بعقلية سد الذرائع.
المثال الثاني؛ لو سألت المفكر الإداري والقائد الإداري في أي مجال حول ضرورة تجديد الكوادر البشرية القيادية كأساس لتطوير الفكر الإداري والقيادة المؤسسية، سيجيبك بأن هذا مطلب والمسؤول الذي يقضي سنوات أطول من المعقول في منصبه يتحول إلى نمطي يعيق وجود الفكر الحديث والحيوي. لكن البعض وكما في المثال السابق يبدؤون رسم سد الذرائع بأن المسؤول الحالي صاحب خبرة كبيرة، ولا يمكن تعويضه ولا يوجد كفاءات لاحتلال منصبه، إلخ. تكرر السؤال؛ ألا تستطيع هذه البلاد الولادة للكفاءات إيجاد البديل؟ لقد فقدت وغيرت هذه البلاد قياديين أكفاء على أعلى مستوى قيادي في الدولة ولم تنهار القطاعات/ المؤسسات التي كانوا يديرونها وجاءت كفاءات بعضها كان أداؤه متميزاً جداً. عندما تخلينا عن الخوف من حدوث ذرائع سلبية اختياراً أو إجباراً لتغيير المسؤول كسبنا مسؤولين أكثر حيوية ونشاطاً وقدرةً على التعامل مع الأفكار الحديثة. لم يكن هناك مشكلة في إعطاء الفرصة للغير.. هكذا هي طبيعة التطوير والتحديث.
ثقافة التغيير والتطوير يجب أن تسود وتتغلب على ثقافة سد الذرائع.
ثقافة التغيير تتطلب الجرأة والمبادرة وليس الصمت والتجاهل ورمي الكرة في ملعب الآخرين.
ثقافة التغيير تتجاوز مجرد الممارسة الإدارية الروتينية أو إدارة الواقع كما هو.
ثقافة التغيير عدوها الرئيس الخوف والاستسلام لمبدأ سد الذرائع الإداري والمجتمعي.
ثقافة التغيير تعني الانتقال للمستقبل، بينما ثقافة سد الذرائع والحفاظ على الواقع كما هو تعني التشبث بالماضي.
العمل الإداري إذا لم يكن توجهه المستقبل، فإنه عمل ناقص وجامد، فماذا نختار؟ أنبني ثقافة التغيير والتطوير والمستقبل أم يستمر فكر سد الذرائع ويستمر البقاء في حضن الجمود والماضي؟