البارحة كانت البهجة غامرة بتسليم جائزة الملك فيصل العالمية بفروعها الخمسة للفائزين بها؛ وذلك برعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، وَليِّ العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، نائباً عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظهما الله -
- في مقر مؤسسة الملك فيصل الخيرية بالرياض. والجائزة ثمرة من ثمار هذه المؤسسة، التي أنشأها - بتوفيق من الله - أولاد الملك فيصل عام 1396هـ/ 1976م. فبعد عام من إنشاء المؤسسة قَرَّر هؤلاء الأولاد الكرام إنشاء جائزة عالمية سنوية باسم أبيهم، رحمه الله. وقد بدأت الجائزة بثلاثة فروع هي: خدمة الإسلام، والدراسات الإسلامية، والأدب العربي. ومُنِحت أوَّل مرة عام 1399هـ/ 1979م. ثم أضيف إلى الفروع الثلاثة فرعان؛ أحدهما في الطب، والآخر في العلوم. فأصبحت تمنح في خمسة فروع. وقد فاز بها من بداية منحها حتى الآن 234 فائزاً ينتمون إلى 42 دولة.
ومن توفيق الله أن الجائزة نالت مكانة رفيعة في العالم. ومن الأدلَّة على تلك المكانة أنها كانت رائدة في تكريم الروَّاد؛ فقد فاز بجائزة نوبل - مثلاً - 17 بعد فوزهم بجائزة الملك فيصل العالمية على العمل نفسه.
والذين نالوا الجائزة هذا العام، وغمرت البهجة بتسليمهم إيَّاها البارحة، هم الداعية الشيخ أحمد ليمو من نيجيريا في خدمة الإسلام، ومعالي الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان من السعودية في الدراسات الإسلامية وموضوعها: التراث الحضاري لمكة المكرمة، والدكتور عبد الله إبراهيم من العراق في اللغة العربية والأدب وموضوعها: الدراسات التي تناولت الرواية العربية الحديثة، والبروفيسور يوك منج دينيس لو، من الصين في الطب وموضوعها: التشخيص غَير التَّدخُّلي في أمراض الأَجِنَّة، والبروفيسور جيرد فولتينجز من ألمانيا في العلوم وموضوعها: الرياضيات.
وُلِد الشيخ أحمد ليمو عام 1348هـ/ 1929م. وبدأ دراسته بِتعلُّم القرآن الكريم. ثم واصل الدراسة حتى نال شهادات عالية بينها درجة البكالوريوس من مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية في لندن عام 1384هـ/ 1964م. وتَولَّى عدداً من المَهمَّات التربوية والتعليمية بينها عمادة الكلية العربية للمُعلِّمين. وله حضور واسع في العالم الإسلامي، وقبول لدى المسلمين في غرب أفريقيا. وقد نال عدداً من الأوسمة، كما مُنِح عدداً من شهادات الدكتوراه الفخرية.
أما الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان فَوُلِد في مكة المكرمة عام 1356هـ/ 1937م. وتَلقَّى تعليمه الابتدائي بدار الأيتام. ثم واصل التَّعلُّم حتى تَخرَّج من كلية الشريعة عام 1377هـ/ 1958م. وإضافة إلى ذلك درس على عدد من علماء الحرم. ثم نال دبلوم التربية للمُعلِّمين من الجامعة الأمريكية في بيروت، ثم حصل على درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1390هـ/ 1970م. ولقد عمل في التدريس الجامعي، وتَولَّى عمادة كلية الشريعة. وفي عام 1413هـ عُيِّن عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية؛ وإضافة إلى ذلك عمل عضواً في هيئات ومجالس علمية خارج المملكة. وقد أَلَّف، أو حَقَّق، كتباً قَيِّمة في طليعتها ما كتبه حول التراث الحضاري لمكة المكرمة؛ وخصوصاً ما هو عن الحرم وما حوله.
وأما الدكتور عبد الله إبراهيم فَوُلِد في كركوك بالعراق عام 1376هـ/ 1957م. ونال من جامعة بغداد البكالوريوس، ثم الماجستير في الأدب العربي الحديث، ثم الدكتوراه في «السرديَّات». وقد عمل في عدد من الجامعات في العراق وليبيا وقطر. ويعمل حاليّاً خبيراً ثقافيّاً بالديوان الأميري في الدوحة. ويُعدُّ من أعلام النقد العربي الحديث؛ وبخاصة ما يَتعلَّق بالسرديَّات. وأنتج أكثر من عشرين كتاباً في مجال تَخصُّصه، كما شارك في تأليف عدد من الكتب، وفي عدد من المؤتمرات. وقد زاوج في مشروعه النقدي بين البحث في السرديَّات العربية والبحث في المركزيات الثقافية. ولذلك نال جائزة عبد الحميد شومان للباحثين العرب الشبان، كما نال جائزة الشيخ زايد للكتاب في حقل الدراسات النقدية.
والذي فاز بجائزة الملك فيصل العالمية في مجال الطب وموضوعها: التشخيص غَير التَّدخُّلي في أمراض الأَجِنَّة هو البروفيسور يوك منج دينيس لو؛ وقد وُلِد في هونج كونج عام 1963م، وحصل على البكالوريوس من جامعة كيمبردج البريطانية، كما أكمل تدريبه الطبي قبل السريري فيها عام 1986م ثم حصل على الماجستير منها عام 1990م. ثم حصل على الدكتوراه من جامعة أكسفورد عام 2001م، ثم زمالة الكلية الملكية لأطباء الباطنة بلندن عام 2006م، ثم على زمالة الكلية الملكية لأخصائيّي علم الأمراض بلندن في عامي 1999 و2005م. وقد مارس أعمالاً علمية مُتعدِّدة في أمكنة مختلفة من العالم. وقام بدور رائد في مجال التشخيص غير التَّدخُّلي لأمراض الأَجِنَّة، مستخدماً أحدث التقنيَّات التي أَدَّت إلى نتائج غير مسبوقة في هذا المجال. وقد نُشِر له أكثر من 290 بحثاً علمياً في المجلات الطبية العالمية، فمنح كثيراً من براءات الاختراع، ونال حوالى ثلاثين جائزة رفيعة، وأصبح عضواً في كثير من الجمعيات العلمية بينها مجلة الطبيعة (Nature) ومجلة العلوم (Science) ومجلة (Lancet) ومجلة نيو انجلاند الطبية ((NEJM.
وأما جائزة الملك فيصل العالمية في مجال العلوم؛ وموضوعها: الرياضيات؛ ففاز بها البروفيسور جيرد فولتينجز، وقد وُلِد في ألمانيا عام 1954م. ودرس الرياضيات والفيزياء في جامعة مونيستر، وحصل على الدكتوراه عام 1978م، ثم التحق؛ باحثاً زائراً مدة عام، بجامعة هارفرد الأمريكية. وقد تَنقَّل في جامعات راقية إلى أن عُيِّن عضواً علميّاً في معهد ماكس بلانك للرياضيات في بون عام 1994م. ثم أصبح مديراً له منذ عام 1995م. وقد عُرِف بإسهاماته الرائدة في الهندسة الجبرية ونظرية الأعداد. وجمعت أعماله بين الإبداع والرؤية والقوة التقنية، ونُشِر له كثير من البحوث في مجلات عالمية راقية، ونال عدداً من الجوائز الكبرى والأوسمة الرفيعة.