نقلت وسائل الإعلام العراقية والعالمية حدثاً له دلالة كبيرة، ويوضح بجلاء لمن لديه شكوك ميكافيلية رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، وأن الغاية تبرر له الوسيلة، حتى وإن كانت هذه الغاية تتعلق بحرمة الموتى.
الحدث هو بقاء الصحفي العراقي الدكتور محمد بديوي الشمري ملقى على قارعة الطريق مضرجاً بدمائه لمدة خمس ساعات كاملة حتى يصل المالكي مع حاشيته ليستغل الجريمة البشعة لأهداف انتخابية. حادثة مقتل الصحفي العراقي كانت بسبب خلاف بينه وبين ضابط كردي من حراسة الرئيس العراقي جلال طلباني، تطور بشكل غير منطقي ولا عقلاني، نتج منه قيام الضابط الكردي بتصويب سلاحه على رأس الصحفي ليرديه قتيلاً. وليس هناك إنسان بعقل سوي إلا ويدين الحادثة لبشاعتها أولاً، ولعبثيتها ثانياً.
ومع بشاعة الحادثة، وخصوصاً لذوي الضحية، إلا أن المالكي انتهزها فرصة سانحة لتجييرها لصالحه من أجل فوزه في الانتخابات القادمة، فبقيت الجثة حتى وصل بعد خمس ساعات كاملة ترافقه كاميرات التصوير والصحفيون المطبلون له؛ ليعلن أنه ولي دم الضحية، وأنه سيفعل كل ما بوسعه من أجل معاقبة مرتكب الجريمة، وأنه لن يهدأ له بال حتى تتحقق العدالة للضحية والاقتصاص ممن ارتكبها.
كلام في ظاهره الرحمة، وفي باطنه العذاب، وكلمة حق أريد بها باطل. أهداف المالكي من مسرحيته على مسرح الجريمة تكمن في ثلاثة أهداف رئيسة: الأول: حرصه على عدم التأثير في خزان مقترعيه من الشيعة الذين بدونهم لن يحصل على فرصة ثالثة لرئاسة الوزراء.
الثاني: ولأن من ارتكب الجريمة ضابط كردي فهي فرصة لن يفوّتها لتأجيج قاعدته الانتخابية من الشيعة ضد الأكراد للتصويت له بكثافة. الثالث: عدم فقد ولاء وسائل الإعلام العراقية في وقت هو في أمسّ الحاجة لها لتحقيق أهدافه.
مسرحية المالكي أمام جثة الصحفي العراقي كانت ستمر بدون ملاحظه لولا الانتخابات، وأن العراق - كما هم معروف وكما صنفته الأمم المتحدة - أخطر مناطق العالم بالنسبة للصحفيين.
السؤال المنطقي: أين كان المالكي من عشرات الصحفيين العراقيين الذين لقوا حتفهم في العراق وهم يؤدون عملهم؟ من اقتص ممن قتلهم؟ من اقتص لآلاف العراقيين الذين يُقتلون بكل طوائفهم ومذاهبهم في بغداد والمدن العراقية؟ مسرحية المالكي الهزلية تؤكد أنه سيفعل المستحيل للفوز بولاية ثالثة حتى لو استدعى الأمر تزويرها، فمن لم يستثنِ حرمة الموت لن يتوانى أبداً في تزوير الانتخابات.
فتصعيده في محافظة الأنبار في حربه التي وصفها بالمقدسة، وتوقيتها، دليل آخر على أنه مستعد، وبدون تردد، لخلط كل الأوراق لنيل رئاسة الوزراء العراقية.
كل ما يقوم به ولهثه وراء المقعد يؤكد بجلاء أن إيران تدفعه من أجل فعل المستحيل من أجل بقائه في السلطة، فهو بالنسبة لها الكنز الذي لن تسمح في التفريط به مهما كلفها ذلك؛ فمشروعها التوسعي لتقويض الأمن والسلم الأهلي في الخليج العربي خاصة، والعالم العربي والإسلامي عامة، يُشكل فيه المالكي في العراق رأس حربته.