يتعلق تأصيل فقه السياسة الشرعية بالجانب السياسي والعلمي والاجتماعي والمالي والدعوي؛ من أجل تحقيق المقاصد العظيمة، وحفظ الضرورات الخمس، وهي: حفظ الدين، النفس، العقل، المال والعرض، المطلوب شرعاً المحافظة عليها، وغيابها سيفضي - بلا شك - إلى إخلال استقامة المصالح؛ ليستقيم بعد ذلك العمران الإنساني، وليقوم الأمن الاجتماعي الأساس في إقامة الدين.
إن من الواجبات الدينية إقامة البيعة الشرعية لولي الأمر؛ كونها فريضة شرعية، وضرورة حياتية. ولا تتم مصالح الناس الدينية والدنيوية إلا بذلك. ومن ذلك: اجتماع كلمتهم على الحق؛ لأن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم، ويترتب على صلاح الدنيا بالأمن صلاح الدين، وليس العكس. وحول هذا المعنى يشير شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في مجموع الفتاوى (28 - 290- 291)، بقوله: «يجب أن يعرف أن ولاية أمور الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها.. ولأن الله - تعالى - أوجب الأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة، وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد، والعدل، وإقامة الحج، والجمع، والأعياد، ونصر المظلوم، وإقامة الحدود، لا تتم إلا بالقوة والإمارة، ولهذا رُوي أن (السلطان ظل الله في الأرض)، ويقال (ستون سنة من إمام جائر، أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان). والتجربة تبين ذلك.. فالواجب اتخاذ الإمارة ديناً وقربة، يتقرب بها إلى الله، فإن التقرب إليه فيها بطاعته وطاعة رسوله من أفضل القربات، وإنما يفسد فيها حال أكثر الناس لابتغاء الرياسة أو المال».
لم يترك الإسلام هذه الشعيرة لتقلبات المصالح والأهواء، أو لنزعات التعصب العرقي، أو اللوني، أو الديني، بل جعل استحقاق ولاة الأمر في المجتمع الإسلامي طاعة الناس بتمسكهم بالقرآن والسنة، عقيدة وأخلاقاً وتشريعاً، والمحافظة على مقاصدها، وإقامة حدودها، وتحقيق أهدافها الحاضرة والمستقبلة. وهذا هو المعتبر في حسن سياسة الدين والدنيا بما لا يخالف شرع الله؛ لأن الدين بالسلطان يقوى، والسلطان بالدين يبقى.
البيعة عهد على الطاعة من الرعية للراعي، وإنفاذ مهمات الراعي على أكمل وجه؛ من أجل جلب جميع المصالح التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي.
وبناء على ما سبق، فقد صدر الأمر الملكي رقم أ - 86، وتاريخ 26-5-1435هـ، القاضي باختيار صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز آل سعود ولياً لولي العهد، وتوجيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود - أيده الله - بأن يتلقى سموه البيعة في قصر الحكم بالرياض يومَي الأحد والاثنين 29 و30-5-1435هـ، وهو ما يوجب على أهل الحل والعقد المبادرة بعقد البيعة له، وإشهارها، والسعي لأخذ البيعة من عامة الرعية، الذين هم تبع لأهل الحل والعقد، فتلزمهم الطاعة بمبايعة هؤلاء.
وتلك السنة هي التي تعكس قوة وعزة ورفعة هذه الدولة في تمسكها بما كان عليه سلف هذه الأمة.